زرع الثقة في الأطفال
تقدير الذات يمنح أطفالكم القوة الداخلية التي تجعلهم يتغلبون على الصعاب والآلام في مراحل النضج فلا تبخلوا عليهم بالرعاية .
لم يحدث قط أن استحقت فروض الرياضيات ومواضيع الإنشاء التي يقدمها سامر كلمة ثناء . وهو يسمع رفقاءه يومياً يقولون أنه غبي ، فلا يجادلهم . لأنه هو نفسه مقتنع بذلك وبأن الإخفاق سيكون نصيبه في أي عمل يؤديه . سامراً ابن التاسعة يئس من الحياة .
نجاة فتاة بدينة في الصف الخامس الابتدائي . ليس لها أصدقاء ، ويلقبها أترابها « دبدوبة التخينة » مما جعلها تكره الدنيا وتكره نفسها .
كتب صبي في السابعة من عمره رسالة إلى الطبيب النفساني عصام جاء فيها ، إضافة إلى بعض أخطاء التهجئة :
عزيزي الدكتور عصام ..
ما يزعجني هو أحد الصبية يسميني « السلحفاة » وأنا أعرف أن ذلك سببه جراحتي التجميلية . أظن أن الله يكرهني بسبب شفتي العجيبة .
هؤلاء الأطفال هم ضحايا المقاييس الخاطئة التي يعتمدها مجتمعنا في تقويمهم . أننا نكيل المديح للقلة التي حباها الله منذ الولادة بعض الصفات التي نعتبرها خطأ ، الأكثر أهمية ، كالجمال والذكاء والثراء . ولا يحظى جميع الأطفال بقبول وتقدير متساويين . أنه نظام فاسد وعلينا أن نواجه تأثيراته السلبية فنساعد الأطفال في اكتساب المقدرة على تحقيق الذات وتقديرها.
جميع الأطفال جديرون بالتقدير ، ولهم علينا حق الاحترام وصون الكرامة .
ولكن كيف يمكننا كآباء أن نساعد أطفالنا في اكتساب الثقة بالذات وبناء شخصية قوية وحصينة في ظل الأجواء الاجتماعية السائدة ؟
هناك تدابير يمكن من خلالها أن نبث شعوراً بالثقة والكفاءة حتى في الأولاد المحاصرين وسط أترابهم .
التدبير الأول :
راجع القيم التي تحدد سلوكك : هل تشعر سراً بالخيبة لأن طفلك عادي ؟ هل حصل أن نبذته لأنه أخرق أو لأن السحر ينقصه . هل تعتقد أن طفلك غبي ؟
جزء كبير من صورة الذات التي يكونها الطفل مستمد من صورته التي يعتقد أنك تحملها في رأسك . وهو يلتقط المشاعر والمواقف النفسية بشفافية مدهشة ، حتى ما خفي منها . ويكفي أن يلمس الطفل أنه موضع حب والديه واحترامهما حتى يصبح على استعداد لتقبل قيمته كشخص.
عدد كبير من الأطفال يعلمون مدى تعلق ذويهم بهم ومع ذلك يفتقرون إلى الشعور بأنهم موضع تقدير . قد يعلم الطفل أنك على استعداد لأن تضحي بحياتك لأجله ، ومع ذلك يبقى قادراً على التقاط الشك الذي يساورك سراً في مدى تقبل الآخرين إياه .إنه يلاحظ اضطرابك وهو يرد على الضيوف ، وكيف تسرع بمقاطعته وبشرح قصده وما يرمي إليه ، وكيف تضحك عندما تبدو ملاحظاته سخيفة .
يجب أن يتحفظ الأهل في الكلام أمام أولادهم . أحياناً يستشيرني والدان في مشكلة تتعلق بأحد أولادهما ، وذلك في حضوره وعلى مسمع منه. وتروح الأم تسهب في سرد التفاصيل المحرجة بصراحة تامة فيما موضوع المشكلة واقف بالقرب منها لا يفوته حرف من الوصف الدقيق الذي يتناول عيوبه كلها .
على الأهل أيضاً أن يخصصوا وقتاً كافياً لتعريف أولادهم بالكتب الجيدة وتطيير طائرات الورق واللعب بالكرة معهم والإصغاء إلى قصصهم وأخبارهم عن الركبة المجلوفة والعصفور المكسور الجناح . تلك هي الحجار التي يبنى بها احترام الذات .
التدبير الثاني :
علم أطفالك سياسة غير هدامة :
من صفات الأشخاص الذين يعانون شعوراً بالنقص نزوعهم إلى عرض عيوبهم أمام أي شخص يظهر رغبة في الاستماع .
فالمرأة التي تؤمن بأنها غبية تقول ذلك صراحة . قد تقول مثلاً : « إنني حقاً ضعيفة في الحساب، حتى إنني لا أعرف كم يساوي اثنان زائد اثنين ! » وفيما تروح تصف قصورها ونقاط الضعف لديها ، يكون المستمع انطباعاً خاصاً عنها ، ولا بد من أن تكون معاملته لها في المستقبل وفقاً لهذا الانطباع . عندما يعبر المرء عن شعوره بكلمات ، تتجسد تلك الكلمات حقيقة يختزنها العقل .
يتوجب علينا أن نعلم أطفالنا سياسة غير هدامة ، لأن انتقاد الذات باستمرار قد يتحول لعادة انهزامية .
التدبير الثالث
.. ساعد طفلك على التعويض :
إن مهمتنا كوالدين هي تأدية دور الحليف الواثق بنفسه الذي يمنح التشجيع ويتدخل عند الاقتضاء ويوفر الوسائل التي تساعد الطفل في التغلب على العقبات .
التعويض إحدى أهم هذه الوسائل . فبواسطته يوازن الفرد مواطن الضعف لديه بتحويل نقاط القوة رأس مال يوظفه لمصلحته . ومهمتنا كوالدين هي مساعدة أولادنا في التعرف إلى مواطن القوة لديهم والإفادة منها .
ربما وجد أحد الأطفال في الموسيقى مجالا يبرز فيه . أو ربما لمع في بناء نماذج للطائرات أو في تربية الأرانب أو ممارسة الكرة الطائرة . حرام أن ندع الطفل يصل إلى سن المراهقة وليس في يده وسيلة يعوض بها ، كمهارة ما أو معرفة فريدة تميزه عن سواه ، بحيث يستطيع القول : ربما لست التلميذ الأكثر شعبية في المدرسة ، لكنني بالتأكيد أفضل عازف بوق في الفرقة الموسيقية .
نصيحتي للآباء أن يدرسوا جيداً نقاط القوة عند أطفالهم ثم يختاروا لهم مهارة تناسب كفاءاتهم بحيث يتمتعون بحظ كبير في النجاح فيها . ولأن المرحلة الأولى في التدريب هي الأصعب والأهم ، فعلينا أن نساعد الطفل في اجتيازها بإصرار وبمختلف الوسائل ، كالمكافأة والحض وحتى الرشوة إذا لزم الأمر. قد يخطئ الآباء في اختيارهم المهارة المناسبة.
عزم والدي وأنا في الثامنة من عمري على تعليمي لعبة كرة المضرب ، مع أنني كنت أفضل البقاء مع أصحابي . وكان يقذف الكرة في اتجاهي فأردها طائرة فوق الشبكة . وحاولت أن أبدو منغمساً وراغباً في اللعب . وإذا سألته : أتظن أنني بدأت أتقدم في اللعب يا أبي ؟ كان جوابه كرة أخرى تئز في اتجاهي . وذات يوم طلب مني أحدهم أن ألعب معه ، ففعلت وهزمته . سرني ذلك كثيراً ، ومنذ ذلك اليوم أصبحت لعبة كرة المضرب مصدر ثقتي بنفسي خلال دراستي الثانوية والجامعية . والفضل في ذلك يعود إلى والدي الذي مدني بوسيلة للتعويض .
التدبير الرابع :
علم طفلك المنافسة :حتى الآباء والأمهات الذين يعارضون تعليق أهمية كبرى على الجمال والقوة الجسدية والذكاء يدركون تماماً أن أولادهم يتحركون في عالم يمجد هذه الصفات . ماذا يمكن للمرء أن يفعل في هذه الحال؟ هل يساعد طفله ليبدو جذاباً بقدر المستطاع ؟ هل يشجع ابنه « العادي » على التفوق في المدرسة ؟
أنا لا أملك سوى إبداء رأيي في هذا الموضوع. أشعر بأنني ملزم مساعدة طفلي كي ينافس بما أوتي من إمكانات . فإذا كانت أسنانه غير منتظمة ، مثلاً ، فعلي أن أخذه إلى طبيب أسنان لتقويمها . وإذا كان متعثراً في دراسته فعلي أن أوفر له دروساً خصوصية فهو و أنا حليفان في معركته من أجل البقاء . غير أن انغماسي في تعليمه أصول المنافسة يجب ألا يحول دون إظهاري له القيم الحقيقية في الحياة ، مثل حب الناس والنزاهة والصدق والإيمان بالله .
التدبير الخامس :
فرض النظام في جو من الاحترام : هل من شأن العقاب ، وخصوصاً الضرب ، أن يحطم نفسية الطفل وكبرياءه ؟ الإجابة تتوقف على شكل العقاب والغرض منه فلا يجوز إطلاقاً أن نأخذ من إيماننا بجدوى العقاب الجسدي ذريعة لتنفيس شعورنا الشخصي بالإحباط .فذلك لا يجيز لنا معاقبته أمام زملائه أو معاملته بقلة احترام .
من الأهمية أن ندرك أن التخلي التام عن فرض النظام هو طريقة مؤكدة لزعزعة الثقة بالنفس عند الأطفال . فالأهل هم في أنظار أطفالهم رموز العدل والنظام ، وإذا كان الوالدان يحبان أولادهما حقاً ، فلماذا يتعاميان عن أفعال مخلة بهذا النظام ؟ هكذا يتساءل الأولاد .
التدبير السادس :
تابع تعليمه جيداً ...
مهم جداً أن يكون الطفل تعلم القراءة في نهاية السنة الثانية في المدرسة . ولطالما كانت مادة القراءة سبباً في تحطيم الثقة بالنفس عند الطفل
الدروس الخاصة تساعد الطفل في اجتياز مرحلة صعبة في دراسته كما أن تغيير المدرسة أو المدرس ربما كان في مصلحة الطفل .
يواجه التلميذ البطيء التعلم مشاكل أكثر من سواه . فما دور الأهل في هذه الحال ؟
يمكنهم أن يقللوا من التركيز على أهمية التحصيل المدرسي . وعموماً ، يجب التقليل من شأن أي أمر يقصر الطفل عن تحصيله على رغم جهوده. كما أنه ليس من المنطق أن تطلب من طفل مقعد أن يصبح نجماً رياضياً ، فليس معقولا أن تطلب من طفل عادي أن يتحول نابغة .
التدبير السابع :
تجنب الحماية المفرطة ..
يبدأ التحضير لسنوات الرشد المسؤولة منذ الطفولة . ويجب تشجيع الطفل على التدرج في المسؤوليات المناسبة لسنه .
مع مرور السنوات يجب أن يشجع الطفل على اتخاذ عدد أكبر من القرارات المتعلقة به . على ابن السابعة مثلا أن يكون قادراً على اختيار الثياب التي سيرتديها يومياً وترتيب غرفته وسريره. الأهل الذين يوفرون لأولادهم حماية مفرطة يسمحون لهم عادة بالتخلف عن بلوغ المراحل الطبيعية المحددة في الجدول . فيصل الولد إلى السن العاشرة ، مثلا ، وهو غير مؤهل لاتخاذ القرارات وممارسة الانضباط الذاتي وبعد سنوات قليلة يغدو صعباً عليه ممارسة الحرية والمسؤولية اللتين تواجهانه في فترة المراهقة . إن ضرورة اهتمام الأهل بتنمية احترام الذات لدى أطفالهم أكدتها دراسات كثيرة ، منها واحدة أجراها فؤاد حسان ، وهو أستاذ سابق لعلم النفس ، أظهرت نتائج الدراسة ثلاث خصائص مهمة تميز الأطفال الذين يتصفون بأعلى درجات احترام الذات .
أولا ، ينعم هؤلاء بمقدار كبير من الحب والاحترام من ذويهم .
ثانياً ، يعتمد آباؤهم وأمهاتهم قواعد ثابتة للسلوك .
ثالثاً ، يسود منازلهم جو من « الديمقراطية » والانفتاح .
تلك هي الأساليب التي من خلالها يحقق الطفل ذاته ويدرك قيمة نفسه ، بصرف النظر عن شكل أنفه أو حجم أذنيه أو توقد ذهنه .
لكل طفل كامل الحق في أن يقف مرفوع الرأس عالي الجبين بثقة واطمئنان . وهذا أمر ممكن التحقيق .