الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

.  الــبــط ء الــتــعــلّــمـي
0.1 مفهوم البطء التعلمي:

لا نقدم هنا المفاهيم الواردة في المراجع حول البطء التعلمي لأن ذلك يشمل كل من لم يواكب زملاءه في الدراسة وتخلف عنهم لعدة أسباب قد تكون نفسية أو عضوية أو اقتصادية أو ثقافية... وإنما نقتصر على أولئك المتعلمين الذين لا يعانون من أي نقص أو عاهة ومع ذلك بطيئين في تعلمهم لأسباب قد تكون خارجة عن نطاقهم (نمطية التدريس مثلا) أو أن استراتيجيات التفكير التي يمتلكونها تختلف عن تلك التي يفرضها عليهم المدرس، مما يجعلهم لا يستطيعون متابعة مسار الدروس الذي ينتهجه هذا الأخير. وبعد تكرار محاولاتهم في المتابعة لكن دون جدوى تظهر لديهم القناعة بعدم استطاعة التعلم، ومن هنا تظهر لديهم سلوكيات شاذة، وهي نتيجة  وليست أسبابا كما يعتقد البعض من الذين يدرجون هذه السلوكيات ضمن أسباب البطء التعلمي.

فالمبطئ في تعلمه هنا هو ذلك المتعلم العادي والذي لا يعاني من أية إعاقة جسمية أو تخلف عقلي أو اضطراب نفسي، ومع ذلك لا يتمكن من الاستفادة من التعليم الذي يقدم له من قبل المدرس – في مادة واحدة أو أكثر – ويظهر هذا التأخر في أنواع الإجابات التي يقدمها لأسئلة الاختبارات الفصلية أو في أي اختبار شفهي كان أو كتابي، وفي الدرجات المنخفضة التي يحصل عليها؛ وحتى إن نجح مرة أو أكثر فلا يكون واعيا بنوع الإجابة التي قدمها إن كانت هي صحيحة أم خاطئة، مما يؤكد عدم وعيه بمدى صحة ما يكون قد يتعلمه.

ومن خصائص هؤلاء المتعلمين:

E   العجز عن إدراك بعض المجردات العميقة دون توضيح بوسائل تشخيصة أو بتكرار الشروح لعدة مرات،

E   يتطلب تعلمهم وقتا أطول مما يتطلبه أغلب زملائهم في الصف مما يجعل انتباههم إلى ما يعرض عليهم يحتاج إلى وقت أطول،

E   العجز عن الاحتفاظ بالمعارف المجردة لمدة طويلة إذا لم تتكرر مراجعتها،

E   صعوبة إدراك الخطوات المنهجية التي يسلكها المدرس في عرضه لمضمون الدرس مما يصعب عليهم الإلمام بهذا المضمون في نهاية الحصة،

E   وتيرة التعلم لديهم بطيئة مقارنة بالمتعلم العادي لكون فترات عرض عناصر الدرس قصيرة بالنسبة إليهم،

E   التردد الذي يعاني منه المبطئ في تعلمه بسبب قلة الثقة في نفسه مما يؤدي به إلى صعوبة اللحاق بزملائه.

لماذا اكتفينا بهذه الفئة من المتعلمين دون غيرهم ؟ إن المتعلم الذي يعاني من مشكلات نفسية أو جسمية أو عقلية أو اجتماعية أو أغلب هذه مجتمعة يكون عرضة لعدم الاستقرار النفسي، وبالتالي عدم التكيف وتقل لديه الدافعية نحو التعلم، ومن هنا يكون بُطؤه التعلمي منطقيا، ويكون زوال السبب عاملا أساسيا لاختفاء المشكلة. أما ذلك المتعلم الذي ذكرناه فالمشكلة لبست فيه وإنما هي خارجة عنه، ومع ذلك يصبح ضحية لأهم مشكلة تربوية دون أن يدرك السبب، وتنجر عن هذه المشكلة نتائج نفسية واجتماعية وخيمة قد يجرها طوال حياته، ورغم براءته من ذلك، ومع ذلك تلصق به تهم الكسل واللامبالاة وغياب المسؤولية وكراهية الدراسة... ولا يجد من يدافع عنه، كما أن متهميه لم يفكروا يوما في إمكانية كونهم سببا مباشرا لهذه المشكلة، حتى يراجعوا أنفسهم وقيمهم ومعاييرهم وطقوسهم النمطية ويكيفوها لكي تساعد المتعلم على الاندماج الفعلي في الحياة المدرسية ويشعر بالاستقرار النفسي والاجتماعي فيها لكي تحفزه على الدراسة الفعلية.

وهناك ظاهرة أخرى منتشرة في المدرسة والمتمثلة في نوعية تقييم التعليم ودلالة الدرجات الممنوحة لأعمال المتعلم من خلال الاختبارات، إذ لا يوجد تطابق بين المستوى الفعلي لإنجاز المتعلم وبين الدرجة التي تمنح لهذا الإنجاز، فالدرجة أعلى بكثير من هذا الأخير مما يجعل المتعلمين يكتفون بالعمل القليل مقابل سخاء المدرس (لعل نتائج امتحانات الدورة الأولى للانتقال إلى السنة الأولى المتوسط خير دليل على ذلك)، كما أن هذا المدرس لا يضع معيارا صارما للأجوبة حتى يقيم تقييما موضوعيا، لذلك تجده يثمن كل إشارة مهما كانت بسيطة للإيحاء بالجواب، فيمنح علامة كاملة للجزء من العمل المقيم، وهكذا حدث اتفاق ضمني بين المتعلم والمدرس والإدارة من خلال تسهيل عملية النجاح بكل الوسائل. ومن هنا قد نطرح السؤال الخطير والمتمثل في مدى مصداقية النجاح في مدارسنا، ومدى مصداقية الامتحانات الرسمية ؟

فكم من طالب تخرج من الجامعة وأراد متابعة الدراسات العليا في إحدى الجامعات الأجنبية وجد نفسه يعيد دراسة عدد من الوحدات الأساسية التي درسها في مستوى التدرج في بلده، لأن المضمون الذي قدم له هزيل مقارنة بما يجب أن يكون؛ أو أنه رسب في امتحان المسابقة في بعض جوانب الامتحان مما أدى به إلى تكرار دراسة هذه الوحدة في الجامعة الأجنبية.  

إذ أن مشكلة البطء التعلمي لم تعد تلك المشكلة القديمة، ذات الأسباب الواضحة فقط، وإنما هناك بطء رغم غموض الأسباب أو بطء رغم النجاح في الامتحانات المدرسية ؛ لذلك ينبغي الانتباه إلى هذه المشكلة وطرحها بشكل معمق من أجل العمل على وقاية المتعلم منها قدر الإمكان، والبحث عن العلاج المناسب لها عند أولئك الذين يعانون منها.

1.1. أبعاد مشكلة البطء التعلمي:

البطء التعلمي مشكلة متعددة الأبعاد. فهي مشكلة نفسية وتربوية واجتماعية بحيث يهتم بها علماء النفس والمربون والأخصائيون الاجتماعيون وحتى الآباء.

ينتج عن البطء التعلمي العديد من الاضطرابات النفسية وبعض مظاهر السلوك غير السوي. كما ينعكس أثره اجتماعيا في صورة ميزانيات تهدر دون عائد لها، فهذه الفئة تمثل فاقدا في الطاقة البشرية تكون معطلة عن تطوير المجتمع. (قراءات في مشكلات الطفولة، ص 188).

الأبعاد التربوية:

انتشرت ديمقراطية التعليم في كل المجتمعات تقريبا وفي بلدنا أيضا، فماذا تعني ديمقراطية التعليم في المفهوم السياسي والإداري؟ تعني هذه الديمقراطية بأن كل طفل بلغ سن التمدرس له الحق في الالتحاق بالمدرسة مع إمكانية متابعة الدراسة شريطة أن تسمح له قدراته بذلك، وهذا يدل على أن المتعلم الذي لا يخضع لهذا الشرط غير معني بهذا المبدأ؛ ويظهر ذلك من خلال المناهج الدراسية الموحدة – غير المرنة – التي تقدم نفس المضمون، بنفس المنهجيات وبنفس الوتيرة (rythme) لجميع المتعلمين، دون فتح مجال لبعض الفئات التي لا تستطيع مسايرة المنهجية والوتيرة المفروضة، حتى ولو كانوا عاديين مثل أقرانهم.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية:

الأبعاد الاجتماعية الثقافية: إن عدم الاعتناء بفئة البطيئين في التعلم لكي يلحقوا ركب زملائهم العاديين وينجحوا في الدراسة، سوف يتركون المدرسة في وقت مبكر قد لا يبلغون مرحلة التعليم الثانوي، وهذا يعني أنهم سوف يعودون إلى الأمية في الزمن الذي يصعب على المتعلمين والمثقفين أنفسهم الاندماج في الحياة العصرية، بما تتطلبه من شروط علمية وتقنية وثقافية واسعة، بالإضافة إلى المسؤولية العظيمة في تربية وتعليم الأبناء. فماذا يقال عن هؤلاء البطيئين الذين قد يصبحون أميين ؟ وما هي المصاعب التي قد يواجهونها ؟ 

الأبعاد الاقتصادية: إذا أحصينا نسبة المتعلمين البطيئين في التعلم حسب كل العوامل المسببة للمشكلة فإن هذه النسبة قد تتراوح ما بين 20 إلى 30 ~%  من المجتمع المدرسي، كما يمكن استخدام نتائج الامتحانات الرسمية (الغير موضوعية لأنه لو يعاد الامتحان سترسب نسبة من الناجحين وتنجح نسبة من الراسبين)، وهؤلاء يكونون قد أعادوا ولو سنة واحدة على الأقل، مما يبين هدر الجهود والأموال المصروفة عليهم من جهة، ثم سيفقدهم المجتمع كطاقة عاملة من جهة ثانية، بالإضافة إلى تدهور المستوى الثقافي وانتشار الجهل في هذا المجتمع. لذلك كان لزاما على السياسة التربوية أن تنتبه إلى هذه المشكلة وأن تعمل على الوقاية منها قدر الإمكان، خاصة إذا علمنا بأن نسبة من هؤلاء البطيئين يمكن وقايتهم من البطء التعلمي قبل الوقوع فيه، وذلك من خلال استخدام استراتيجيات تعليمية تناسبهم وزمن تعليمي يتوافق مع وتيرتهم. 

بعد عرضـنا لـهذا المدخل الذي حددنا فيه الإطار العام الذي نتناول من خـلاله موضوع " البطء التعلمي" ، يمكن الآن أن نقدم المحاور التي قد تساهم كمنهجية في الوقاية من هذه المشكلة لدى نوع الفئة من المتعلمين التي قصدناها أي المتعلمين السالمين جسميا وعقليا ونفسيا ومع ذلك يبطئون في التعلم أو يواجهون صعوبات في تعلمهم لمضامين الدروس التي تقدم لهم في الصف، وهذه المحاور هي:

! نماذج التعلم .Modèles d’apprentissage

! التدريس Modèles d’enseignement.

!  التعلم والوتيرة التعلمية أو زمن التعلم Rythmes scolaires ou temps d’apprentissage: ونعني بذلك أن لكل متعلم وتيرة أو زمن تعلم خاص به ينبغي احترامه من قبل المدرس.

!  الإدراك والصور الذهنية Perception et Images mentales: وقد ذكرنا أعلاه أن من بين خصائص المتأخر دراسيا صعوبة إدراك المفاهيم المجردة العميقة التي لا تقترن بصور ذهنية يسهل تخزينها في الذاكرة.

! الذاكرة والنسيان la mémoire et l’oubli.

! الانتباه Attention

!  التعبير شفهيا عن وضعيات التعلم Verbaliser les situations d’apprentissage : هذه المهمة لم تحدث أن أنجزت في مدارسنا يوما وذلك في جميع مراحل التعليم. ونقصد هنا بوعي المتعلم بما ينجز في قاعة الدرس وأن يدرك ما يقوم به في عملية التعلم، من خلال المراحل والخطوات التي يقطعها مع التحديد الدقيق لما يحتاجه من أدوات ومعارف والتي يحتاج إليها لكي ينجز عملية التعلم. فإذا تمكن من إدراك ذلك والوعي به فإنه يستطيع أن يدرك مسبقا ما يهدف الوصول إليه من وراء عملية التعلم هذه.  

!  التواصل والتفاعل في الوسط التربوي.

!   التفكير والتفكير ما وراء المعرفة.

!  استراتيجيات تجنب الفشل والشعور بالقدرة. 

هذه العوامل سنجدها في كتاب البطء التعلمي وعلاجه من خلال أساسيات التعليم والتعلم للأستاذ علي تعوينات