القيم، مفهومها، نشأتها واكتسابها
موضوع
القيم من الموضوعات التي تقع في دائرة اهتمام العديد من التخصصات كالفلسفة،والدين ، والتربية ، والوعلم النفس ، وهذه الأهمية التي تكتسيها هذه الميادين تترك المجال واسعا للبحث والجدل القائم بين هذه التخصصات ، حيث تنتهج أساليب علمية موضوعية مختلفة في تحديدها وقياسها و إبراز أبعادها ،من حيث أنها تمس وتخص الفرد البشري فقط ، وعليه سنتطرق إلى تبيان مفهوم القيم وبعض المفاهيم المصاحبة لها ، وكذلك معرفة خصائصها ، ووظائفها وتحديد أصنافها، وكذلك الوقوف على عوامل اكتسابها وكيفية تغييرها .
مفهوم القيم :
مفهوم القيمة من المفاهيم التي يشوبها نوع من الغموض في استخدامها، وهذا نتيجة لأنها حظيت باهتمام كثير من الباحثين في تخصصات مختلفة، ولهذا اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد لها ، ومرد ذلك الاختلاف يعزى إلى المنطلقات النظرية التخصصية لهم ، فمنهم علماء الدين ، والنفس ، والاجتماع ، والاقتصاد ، واللغة ...الخ ، فلكل منهم مفهومه الخاص الذي يتفق مع تخصصه.فمثلا نجد بيري parry الذي يعرف القيم بأنها الاهتمامات، أي إذا كان أي شيئ موضع اهتمام فإنه حتما يكتسب قيمة. وهناك من يعرف القيم بأنها مرادفة للاتجاهات مثل (بوجاردسBogardies) . وكثير من علماء النفس يرون أن القيمة والاتجاه وجهان لعملة واحدة.أما كلايدكلاهونclydekluckhohn ، فيعرف القيم بأنها أفكار حول ما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه (مرعي وبلقيس 1984 ، 216-217).
تعريفات القيم :
- تعريف روكيش ميلتون1973:
" القيم عبارة عن تصورات من شأنها أن تفضي إلى سلوك تفضيلي، كما أنها تعتبر بمثابة معايير للاختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما، ومن ثم فان احتضان الفرد لقيم ،معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم ." فالقيم محدد ومرشد للسلوك وهي التي توجه اختياراتنا من بين بدائل السلوك في المواقف المختلفة وتحدد لنا نوع السلوك المرغوب فيه في موقف ما توجد فيه عدة بدائل سلوكية كما يرى بأن التعدد في مجالات الحياة والسلوك يؤدي إلى تعدد في نظم القيم الموجهة لسلوك الفرد.(المرجع السابق ص 218)
تعريف أحمد بدري 1977
القيم أحكام مكتسبة من الظروف الإجتماعيةيتشربها الفرد ويحكم بها ، وتحدد مجالات تفكيره ،تحدد سلوكه وتؤثرفي تعلمه كما يرى بأن القيم الإجتماعية تعني الصفات التي يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة ، وتتخذ صفة العمومية بالنسبة لجميع الأفراد لما تصبح من موجهات السلوك أو تعتبر أهدافا له "
وهو يعتبر القيم موجهات للسلوك، و تفضيلات أساسية لما هو مرغوب فيه ، وهي أحكام قيمية لأنها تؤثر في الأفراد .
من خلال هذه التعريفات يمكن أن نقول إن القيمهي:
- أحكام معيارية توجه السلوك الإنساني.
- تفضيلات أساسية لما هو مرغوب فيه.
- ضرورية في حياة الفرد والجماعة.
- البعض ينظر إليها على أنها أحكام واقعية والبعض ينظر إليها على أنها أحكام قيمية. (محمدعمرالطنوبي، 1996، ص52).
تعريف عبد الرحمان هيجان :1992
" مجموعة المعتقدات الضمنية أو الصريحة، التي تعتبر بمثابة موجهات للأشخاص نحو الغايات أو الأنماط السلوكية التي يختارونها، وتفصح عن نفسها في الاتجاهات والسلوك اللفظي والفعلي معا أي فيما يقول الفرد أنه يعتقده نظريا وفيما يسلكه واقعيا، فالقيم تشمل العملية الذهنية الذاتية التي تحدد اختياراتنا ومن ثم ترتبط بالأفكار والمعتقدات الخاصة بما هو حسن وماهو سيئ، وماهو مهم وغير مهم ".
تعريف ضياء الدين زاهر 1995:
" القيم هي مجموعة من الأحكام المعيارية المتصلة بمضامين واقعية يتشربها، الفرد من خلال انفعاله وتفاعله مع المواقف والخبرات المختلفة ويشترط أن تنال هذه الأحكام قبولا من جماعة اجتماعية معينة حتى تتجسد في سياقات الفرد السلوكية، اللفظية، اتجاهاته،أو اهتماماته."
تعريف شوارتزوبلسكي2000
عرفها شوارتزوبلسكيبأنها: " عبارة عن مفاهيم أو تصورات للمرغوب، تتعلق بضرب من ضروب السلوك، أو غاية من الغايات وتسمو أو تعلو على المواقف الفرعية ويمكن ترتيبها حسب أهميتها النسبية.[عبد اللطيف محمد خليفة: 2000 ص 123]
تعريف حامد زهران 2000
كما يرى حامد عبد السلام زهران أن القيم " عبارة عن تنظيمات لأحكام عقلية إنفعالية معممة نحو الأشخاص والأشياء والمعاني وأوجه النشاط ". ويعبر عنها كذلك بأنها " إهتمام أو اختيار وتفضيل أو حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي حده المرغوب فيه ، والمرغوب من السلوك " (حامد عبد السلام زهران :2000ص158).
تعريف معمرية2001
كما يعرفها بشير معمرية أن القيم هي "مجموعة الأحكام التقويمية التي يصدرها الفرد على بيئته الإنسانية والمادية بالتفضيل أو عدم التفضيل بالخير أو بالشر، بالخطأ أو بالصواب، بالقبح أو بالجمال، بالنفع أو الضرر على الموضوعات أو الأشياء أو السلوك أو الفكر أو الإنفعال... [نادية مصطفى الزقاي 2001 ص 24]
تعريف أحمد بيومي 2002
يعرف محمد أحمد محمد بيومي القيم على أنها: المرغوب فيه بمعنى أي شيء مرغوب من الفرد أو الجماعة الاجتماعية ، وموضوع الرغبة قد يكون موضوعا ماديا أو علاقة اجتماعية أو أفكارا وبصفة عامة أي شيء يرغبه الفرد والمجتمع (محمد أحمد محمد بيومي 2002 ص 106).
تعريف الزيود 2002:
" القيم هي مجموعة المعتقدات والمبادئ الكامنة لدى الفرد ، وتعمل على توجيه سلوكه وضبطه وتنظيم علاقاته في المجتمع وسط الجماعة في نواحي الحياة ، وهي مجموعة من المعايير، والأحكام التي تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته يراها جديرة بتوظيف إمكانياته ، وتتجسد من خلال الاهتمامات أو الاتجاهات أو السلوك العملي أو اللفظي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .
تعريف أمطانيوس ميخائيل 2002:
" القيم التي نتمسك بها ، تتحكم في سلوكنا وتنعكس في أشكال النشاطات المختلفة التي نمارسها بل إن هذا الرأي أصبح سائدا اليوم لدى الأخصائيين في العلوم الاجتماعية ، فالقيم ماهي إلا موجهات سلوكية لسائرالأنشطة التي تتصل بأي شكل من أشكال العمل .
تعريف حامد زهران 2003
القيم "عبارة عن تنظيمات لأحكام عقلية إنفعالية معممة نحو الأشخاص والأشياء والمعاني و أوجه النشاط"وهويشير إلى أن القيم هي أحكام تقريرية أي أن الفرد يعبرعن رأيه في الأشياء كما هي في الواقع .
عرف جودت بني جابر القيمة بأنها «الحكم الذي يصدره الإنسان على شيئما ، مهتديا بمجموعة من المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي يحدد بالتالي المرغوب وغير المرغوب فيه" (جودت بني جابر 2004، ص288).
تعريف إيمان عبد الله 2007
القيم هي مجموعة من المعايير والمقاييس المعنوية بين الناس يتفقون عليها فيما بينهم ويتخذون منها ميزانا يزنون به أعمالهم ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية ، وهي مقياس ، مستوى أو معيار نستهدفه في سلوكنا وينظر إليه على أنه مرغوب فيه أو مرغوب عنه.
يتفق هذا التعريف مع تعريف محمد عبد الغاني حسن في اعتبار القيم موجهات لسلوك الأفراد وحسب رأيها فإن القيم تعتبرإطارا مرجعيا إذ ينطلقون منها كموجه ، بهدف الوصول إليها إما بالفعل أو عدمه ، وهي تعتبر أن القيم يكتسبها الإنسان من خلال التربية .(المرجع السابق ص 290)
تعريف فضيلة أبو الشواشي 2007
تعرف فضيلة أبو الشواشي القيم بأنها: "عبارة عن الأحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أوعدم التفضيل للموضوعات أوالأشياء ، وذلك في ضوء تقييمه أو تقديره لهذه الموضوعات أو الأشياء ،بحيث تتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته في ظل الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ،ويكتسب خبرات معارف ، أنماط سلوكية ، عادات وتقاليد في مضمونها بوضع معايير للسلوك الإنساني ، وعلى الفرد أن يتبعها وأن يلتزم بها و أن يكيف سلوكه وفقا لها ."وهي تعتبر (القيم) مجموعة أحكام قيمية بمعنى أن الفرد يعبر عن رأيه في الأشياء بما تتركه في نفسه من أثر و إحساس وهي ضوابط للسلوك يجب الالتزام بها ، وتتفق مع التعريف السابق في اعتبار أن القيم تكتسب بالتربية وذلك بتحديد ما يجب فعله وما لا يجب فعله ، ثم يسعى الفرد لتحقيقها ذاتيا، وهي هنا تركز على القيم الفردية. (عمرو عبد الكريم سعداوى، 2000، ص 19)
وعليه فالمجمل من هذه التعاريف تتضح لدينا بأن القيمة تتعلق بالتصور الذهني والميل الوجداني نحو موضوع ما يوجه سلوك الفرد العام وكل هذه التعاريف تؤكد على أن القيم يكون فيها الاختيار والمفاضلة للفرد بين الفعل وعدم الفعل التي تخوله له طبيعته الانسانية والاجتماعية معا.
مفهوم القيم في علم النفس:
القيم هي أحد المكونات الأساسية للشخصية، ويشمل تأثيرها على سلوك الأفراد، واتجاهاتهم، وعلاقاتهم.وهي بذلك توفر إطارا مهما لتوجيه وتنظيم سلوك الأفراد والجماعات ، إذ تقوم بدور المراقب الداخلي الذي يراقب أفعال الفرد وتصرفاته .فالقيمة هي ما يعتبره الفرد مهما ، وذا قيمة في حياته ، فهي تمثل معتقدات الفرد عن قدرته على إيجاد معنى لحياته ، وعلى هذا تعد القيم من المفاهيم الجوهرية في جميع ميادين الحياة الاقتصادية،السياسية ،الاجتماعية ، والدينية نظرا لأنها تمس العلاقات الانسانية بكافة صورها ، وذلك لأنها ضرورة اجتماعية و لأنها معايير وأهداف لا بد أن نجدها في كل مجتمع فهي تتغلغل في الأفراد في شكل اتجاهات ودوافع وتطلعات، وتظهر في السلوك الظاهري للشخص .
وتعتبر الأسرة قوة موجهة ومؤثرة في غرس القيم والاتجاهات في نفوس أبناءها، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى كالمدرسة، ووسائل الإعلام وكل ما يساعد الأفراد على تقبل العادات والتقاليد والمعايير السائدة في المجتمع ولعل من أهم هذه القيم التي لها دور كبير في تشكيل الشخصية الإنسانية نجد القيم النفسية، والاجتماعية، والدينية.
إن علماء النفس يركزون اهتماماهم بخصوص القيم على دراسة قيم الفرد ومحدداتها سواء كانت نفسية، أوإجتماعية أو دينية .... حيث يمثل الفرد بؤرة ومركز اهتمام علماء النفس في دراسة موضوع القيم في حين علماء النفس الاجتماعي فيهتمون بكل جانب من جوانب سلوك الفرد في المجتمع ولا يتحدد بإطار محدد لنظام أو نسق ، فعلم النفس الإجتماعي يركز عنايته على سمات الفرد ،استعداداته واستجاباته فيما يتصل بعلاقاته مع الآخرين. (عليان محمد، وعسلية عزت2004: " الاتجاهات نحو التحديث وعلاقتها بمنظومة القيم لدى الشباب الجامعي المعاصر لانتفاضة الأقصى"، المؤتمر التربوي الأول، الجامعة الإسلامية، غزة، الجزء الثاني، نوفمبر).
مكــــــــــونات وعناصر القيم:
تتلخص مكونات القيم في ثلاثة مكونات: المكون المعرفي، المكون الوجداني، والمكون السلوكي.
*المكون المعرفي : وتتضمن مجموعة المعارف ،والمعلومات التي تعرفنا بالقيمة
المراد تعلمها وما تحمله من معاني مختلفة.
*المكون الوجداني: وهذا المكون مرتبط بتقدير القيمة والاعتزاز بها وهو مجموعة المشاعر والأحاسيس الداخلية للفرد إزاء قيمة دون الأخرى، وفي هذا يظهر استعداد الفرد بالتمسك بالقيمة وسعادته بذلك .
*المكون السلوكي: ويتضمن الترجمة الفعلية للقيمة عن طريق سلوكيات وأفعال وأداء نفس- حركي ،ولكي نضبط مفهوم القيم ونحدده ، يجب الإشارة إلى عناصر القيم الأساسية حتى نتمكن من فصلها عن بعض المفاهيم التي قد تتداخل معها في كثير من الأحيان ، ويمكن تحديد عناصر القيمة فيما يلي :
- التعرف والاختيار: وفيها يتم التعرف على البدائل الممكنة ، ثم النظر في نتائج كل بديل ثم يتم الاختيار الحر للبديل .
- تقدير القيمة والاعتزاز بها: تعني الشعور بالسعادة لاختيار القيمة .
- ممارسة القيمة: وهي إعلان التمسك بالقيمة، ثم ترجمتها إلى ممارسة ثم بناء النظام القيمي.
القيم وبعض المفاهيم المرتبطة بها:
تتداخل بعض المفاهيم مع مفهوم القيمة، وهناك من يعتبرها مرادفات لها، إلا أنه في الواقع توجد حدود معرفية وتطبيقية بين مفهوم القيمة والمفاهيم الأخرى ومن أهم هذه المفاهيم نجد:
المعايير، الاتجاهات، الحاجات، السلوك...
* القيم والمعايير الاجتماعية:
"المعيار هو مقياس نسبي تتفق عليه جماعة معينة في موقف معين لتحكم به على مدى صحة سلوك أي فرد من أفرادها في هذا الموقف بالذات " (السيد عبد الرحمان 1999 ص 34)
والقيم لها دورها في تحديد المعايير التي يرتضيها المجتمع وتستخدم في الحكم على مدى قبول سلوك الفرد ، فالقيم هي مستويات للتفضيل على المستوى العام بينما المعايير هي قواعد للسلوك المرغوب على مستوى الخصوصية وتختلف المعاييرعن القيم في ثلاثة جوانب هي:
1. الجانب الأول: القيمة تشير إلى نمط مفضل للسلوك، أو غاية من الغايات بينما يشير المعيار الاجتماعي إلى نمط سلوكي فقط.
- الجانب الثاني: القيم تتسامى عن المواقف الخاصة بينما المعيار هو تحديد لسلوك أو منع لسلوك آخر في موقف معين.
- الجانب الثالث: القيم أكثر شخصية وداخلية، بينما المعايير اتفاقية وخارجية (عبد الرزاق 1988 ص136)
- القيم شخصية وداخلية، أما المعايير فهي خارجة عن ذات الإنسان أو الفرد .
- المعايير تحدد الواجبات والالتزامات، أما القيم فتحدد ما يفضل في المجتمع.
- المعايير قواعد ذات خصوصية للسلوك، أما القيم فهي مستويات ذات عمومية في التفضيل.
* القيم والحاجة:
- توجد الحاجة لدى الإنسان وسائر الكائنات وتترتب هرميا لدى الانسان بناء على أهمية الأشياء التي تسعى إلى تحقيقها، ولذلك يحول الشخص حاجته إلى قيم بصورة يقبلها مجتمعه ويصبح من السهل تبريرها والدفاع عنها وبالتالي نجد العلاقة بين القيم والحاجات هي علاقة سببية. (حلمي ،1977ص137).
* القيم والمعتقد:
تنقسم المعتقدات إلى ثلاثة أنواع وصفية وهي التي توصف بالصحة أو الزيف، وتقييمية أي التي يوصف على أساسها موضوع الاعتقاد بالحسن أو القبح ، ومعيارية حيث يحكم الفرد بقتضاها على بعض الوسائل أو الغايات بجدارة الرغبة أو عدم الجدارة (روكيش 1973).
القيم هي مجموعة من المعتقدات التي تمثل المقومات الأساسية، أو المحور الذي تبنى عليه مجموعة من الاتجاهات توجه الأشخاص نحو غايات، أو وسائل لتحقيقها أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤلاء الأشخاص لأنهم يؤمنون بصحتها فالقيم تتضمن التفضيلات الإنسانية، وقد تتكون القيم من حالات واقعية وإدراكية توجه السلوك كما أنها قد تكون مكتسبة يتعلمها الفرد من خلال عمليات التطبيع الاجتماعي
ويرى "روكيش" أن القيمة معتقد ثابت نسبيايحمل في فحواه تفضيلا شخصيا أو اجتماعيا لغاية من الغايات ، ولشكل من أشكال السلوك الموصلة إلى هذه الغاية ، فالقيم من منظوره تحتوي على ثلاثة عناصرمثلها مثل المعتقدات فهي معرفية :من حيث الوعي ، ووجدانية من حيث شعور الفرد حيالها إيجابيا ،كان أو سلبيا وسلوكية من حيث وقوعها كمتغير وسيط أو كمعيار أو مرشد للسلوك ، في حين يفرق بعض العلماء بين القيم والمعتقدات على أساس أن القيم تشير إلى الحد الحسن مقابل السيئ أما المعتقدات فتشير إلى الحقيقة مقابل الزيف .
* القيم والسلوك:
تجتمع كثير من التعاريف على أن السلوكهو المؤشر الأساسي للقيم ، فعندما يختار المرء سلوكا دون الآخر فإنه يفعل ذلك انطلاقا من قيمة يتبناها ويهتم بتحقيقها أكثر من غيرها ، "فالقيم عبارة عن تصورات من شأنها أن تفضي إلى سلوك تفضيلي ، كما أنها تعتبر بمثابة معايير للإختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما ومن ثم فإن احتضان الفرد لقيم معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم "(نعموني مراد 2006).
*القيمة والاتجاه:
يفرق "ميلتون روكيش" بين القيم والاتجاهات على النحو التالي:
- الاتجاه هو تنظيم لمجموعة من المعتقدات التي تدور حول موضوع أو موقف في حين أن القيمة تشير إلى معتقد واحد وتشمل على ضرب من ضروب السلوك أو غاية من الغايات.
- تتركز القيمة حول الأشياء ويتركز الاتجاه حول موقف أو موضوع محدد.
عدد القيم التي يتبناها الفرد وتنتظم في نسقه القيمي تقف على ما تعلمه الشخص من معتقدات تتعلق بشكل من أشكال السلوك أو غاية من الغايات ، أما عدد ما له من اتجاهات فيتوقف على ما واجهه من مواقف و أشياء محددة ولذلك فالاتجاهات تزيد في عددها عن القيم.
- تحتل القيم مكانة مركزية وأكثر أهمية من الاتجاهات في بناء شخصية الفرد ونسقه المعرفي.
- يعتبر مفهوم القيم أكثر ديناميكية من الاتجاهات ، حيث ترتبط مباشرة بالدافعية .
- تقوم القيم بدور أساسي في تحقيق الذات وتحقيق توافق الفرد، وتقوم الاتجاهات بهذا الدور بأقل درجة .
في حين لا يكون السلوك كأحد المؤشرات العامة لقيم الأفراد ، حيث أن الكثير من الأنماط السلوكية التي ، يصدرها الفرد أثناء تعامله مع المواقف الاجتماعية المختلفة إنما تقف كدالة لما حددته الثقافة على أنه سلوك مرغوب فيه ، أكثر منه دالة لما يتمثله الأفراد من قيم يرونها جديرة باهتماماهم ومن ثم فإن فحوى الاعتراض على اعتبار السلوك كمؤشر للقيمة يتمثل في احتمالية انعكاس المتغيرات الثقافية والاجتماعية على تحديد سلوك الأفراد بشكل لا يجعله دالا على قيمه الخاصة (المرجع السابق).
من خلال المقاربة والتفريق بين المفهوم " القيم" وبعض المفاهيم الأخرى يمكننا تحديد "مفهوم القيم" والإلمام بمجالات استخدامه في مختلف الميادين الأخرى في النقاط التالية:
- القيم محك نحكم بمقتضاه ونحدد على أساسه ماهو مرغوب فيه أو مفضل في موقف توجد فيه عدة بدائل.
- يمكن من خلال القيم الحكم سلبا أو إيجابا على مظاهر معينة من الخبرة في ضوء عملية التقييم التي يقوم بها الفرد .
- تأخذ القيم خاصية الوجوب أو الإلزام مثل: " يجب أن «، ينبغي أن".
- يختلف وزن القيمة من فرد لآخر بقدر إحتكام هؤلاء الأفراد إلى هذه القيمة في المواقف المختلفة.
- القيم ظاهرة اجتماعية يكتسبها الانسان بالتعلم، وهي ليست صناعة فردية وإنما صاغها المجتمع عبر مراحل تطوره .
- القيم ذاتية بمعنى أنها مرتبطة بذات الأفراد، وأن تفضيلات الأفراد للقيم تفضيلات تقديرية شخصية أو ذاتية بما يسمح به الاطار العام للقيم.
- القيم نسبية من حيث المكان والزمان وتختلف من ثقافة إلى أخرى ، كما تتباين داخل المجتمع الواحدعبر الزمان .
خصـــائص القيـــــــــم :
يعد مفهوم القيم من المفاهيم المتشعبة، التي تدخل ضمن العديد من التخصصات المختلفة ولذلك فقد وضع الباحثون عددا من الصفات والسمات المشتركة التي تسهم في توضيح هذا المفهوم. القيم أساسية في حياة كل انسان، فهي بمثابة مرشد وموجه لكثير من النشاط الحر الإرادي للإنسان.
1- القيم ذات قطبين: فهي إما أن تكون إيجابية وإما أن تكون سلبية، بهذا الفعل أو ضد هذاالفعل (خيار، أو شرا، حقا أو باطلا…). (محمود السيد أبو النيل 1985 ص 229)
2 – القيم اجتماعية: أي أنها تنبثق من خلال التطبيع الاجتماعي فهي تتأتى من تراث
المجتمع والعلوم الإنسانية وهي التصور الاجتماعي الذي يتحدد من خلال معايير المجتمع (Jean golfin جان قو لفان ، 1972 ص 148) .
3. القيم مكتسبة: إذ يتعلمها الفرد عن طريق التربية الاجتماعية والتنشئة في نطاق الجماعة.
4 . القيم تترتب هرميا: " ويعتبر ها محمود السيد أبو النيل كذلك " لان هذا يعني أن هناك قيما لها الأولوية في حياة الفرد عن باقي القيم ، كالقيمة الدينية عند رجل الدين تقع في المنزلة الأولى لديه عن باقي القيم بل تعتبر باقي القيم خاضعة لسيطرتها ، نفس الأمر بالنسبة لرجل التجارة فالقيمة الاقتصادية لها الأولوية ". (مصطفى فهمي ومحمد على القطان، 1979 ص 207)
5 –" القيم مجردة: أي أن القيمة لا تمثل شيئا محددا فهي أكثر عموما وشمولا وتجريدا من الاتجاهات ، كذلك لا تتحدد بموضوعاتها على نحو مباشر " (توفيق مرعي 1984 ص112)
6. القيم ذاتية وشخصية: ترتبط القيم بشخصية الفرد وذاته ارتباطا وثيقا وتظهر لديه على صور مختلفة من التفضيلات والاهتمامات والاختيارات والحاجات والاتجاهات والأحكام مما يجعلها قضية ذاتية شخصية يختلف الناس حول مدى أهميتها وتمثلها باختلاف ذواتهم وشخصياتهم. وهي بذلك تؤثر وتتاثر بذاتية الفرد واهتماماته وميوله ورغباته وتاملاته وطبيعة ذوقه.
7 – القيم نسبية: بمعنى أنها غير ثابتة في كل مكان وزمان، وإنما تختلف من وقت لآخر ومن ثقافة لأخرى ومن شخص إلى آخر (ولكن الثبات النسبي يسمح بالتغير والتعديل إذا
8 – القيم ذاتية: لأنها تعتبر من العناصر الشخصية الذاتية، كل منا يحسها على نحو خاص به، لأن القيمة مسألة إنسانية شخصية. أراد الفرد ذلك وصدقت عزيمته (عبد الحميد محمد الهاشمي، 1984 ص 142).
9 – القيم رمزية: إنها رمزية وتوجه السلوك كما يفسر السلوك في ضوئها ( سعد جلال، 1984 ص98).
10. القيم تجريدية: هي معان مجردة تتسم بالموضوعية والاستقلالية، تتضح معانيها الحقيقية في السلوك الذي تمثله والواقع الذي تعيشه، فالعدل من حيث هو قيمة يحمل معنى ذهنيا مجردا غير محسوس، لكنه يتخذ قيمة من الواقع الحي الملموس.
- تتصف القيم بالعمومية، فهي تشكل طابعا قوميا عاما مشتركا بين جميع طبقات المجتمع الواحد. (المعايطة 2000 ص 188-189).
- تكون القيم إما صريحة تتضح من خلال التلفظ بها، أو ضمنية تتضح من خلال سلوك الفرد وأنشطته المختلفة (وحيد 2001 ص60).
- تدخل القيم في كل أنظمة الفعل الإنساني للكائن الاجتماعي وهي كما وضحها بارسونزتالكوتParsonsTalcott في أربعة أنظمة فرعية : الكائن ، الشخصية ، المجتمع ، والثقافة، ولهذه الأخيرة علاقة منطقية ووظيفية مع القيم ، فالمفاهيم الثقافية العامة للمجتمع يعبر عنها نسق القيم الموجه للسلوك ، لذلك ينظر علماء الاجتماع إلى القيمة على " أنها عناصر الثقافة أو المعاني المشتركة للمجتمع الذي يحمل ثقافة معينة ... فالقيم دائما معاني عامة أو معايير مع البناء الداخلي " فهي ترتبط بالبناء الاجتماعي ارتباط الظواهر الاجتماعية مع بعضها نتيجة اعتمادها على باقي مكونات البناء الاجتماعي، لذلك تخضع لمنطق المجتمع ونظمه وقوانينه.
* وظائف القيم:
* تساهم القيم في توجيه وإرشاد الأدوار الاجتماعية وتحدد مهام ومسؤوليات كل دور مما
* يؤدي الى تناسق الأدوار في النظام ألاجتماعي: وبتحقق هذا التناسق تزداد عوامل قوة النظام الاجتماعي، ويكون ذلك أيضا من عوامل صلابته وٕاث ا رئه وتطوره الى ألأفضل.
* تلعب القيم دو ا ر أساسيا في التغير ألاجتماعي إذ أن هناك علاقة تأثر وتأثير متبادل بين القيم وهذا التغير.
* يحدد نظام القيم أهدافا ومثلا عليا ينبغي على ألأف ا رد والجماعات الوصول إليها من أعمالهم وفق منظور معين سواء تمثل بذلك إشباع الرغبات والغ ا رئز أو الوصول الى المثل العليا والغايات السامية.
* تساعد القيم على وصف وتحديد نوع الثواب والعقاب للأف ا رد والجماعات في إطار علاقاتهم ألاجتماعية وسلوكهم وهي تتمتع بالقوة خاصة في هذا الصدد مما يحفظ الحقوق والواجبات في المجتمع وتجعله يلتزم بها (جليل وديع الشكور، 2000 ص 312).
تكوين القيم واكتسابها:
يتم اكتساب الاتجاهات والقيم إما:
- بالتعرض لموضوع الاتجاه .
- بالتفاعل مع أفراد آخرين يتمسكون بهذا الاتجاه.
- أو لوجود استعدادات عميقة في الشخصية تتضمن القيم الناتجة عن طريق التنشئة في أسرة معينة. (علم النفس الاجتماعي د/ عبد الرحمن المعايطة، ص214)
ولبيان كيفية اكتساب الاتجاهات والقيم بالتعرض لموضوعها يمكننا أن نفسر بعض اتجاهاتنا السلبية نحو أفراد أو موضوعات بعينها لارتباطهم ولارتباطها عندنا بخبرات سيئة. فقد نحب بعض الأفراد ونكره آخرين طبقا لخبراتنا الفعلية مع مثل هؤلاء الأفراد. ويظهر اكتساب الاتجاهات والقيم من جراء التفاعل مع الآخرين الذين يتمسكون بالاتجاه في تشربنا لكثير من الاتجاهات في الأسرة وقيمها نتيجة لعملية التنشئة الاجتماعية ، فالأسرة هي المسئولة عن إعداد الطفل للمجتمع الذي يعيش فيه ،وهي صورة مصغرة لمجتمع كبير كما أن للوراثة دورا في اكتساب الاتجاهات والقيم فكثيرا ما يحدث أن يكون معدل النشاط عند طفل من الأطفال عاليا نتيجة لنشاط غدده ، فمثل هذا الطفل النشيط سيضطر تبعا لنشاطه إلى الاصطدام بالموانع التي تفرضها البيئة بخلاف طفل آخر تغلب عليه الاستكانة ، وهذا سوف يؤثر في تكوين شخصية كل منهما .
وهناك أطفال ذوو تكوين جسماني جيد وآخرون أجسامهم ضعيفة فكل منهما سوف يؤثر تكوينه الجسماني في نوع التفاعل الذي يتم بينه وبين بيئته. ولا يكفي أن يتعرض الفرد للاتجاهات والقيم ليكتسبها إذ لا بد من وجود الدافع الذي ييسر عملية اكتسابها ومن العوامل الميسرة تقمص صورة الوالد بالتفاعل ، ومن العوامل أيضا تكوين الأسرة فالطفل الأول في الأسرة له شخصية غير الطفل الأوسط غير الطفل الأخير ، ومن أهم العوامل سلطة الآباء وتكوين الأسرة وبنيانها وكيف يمارس الآباء هذه السلطة . فإذا كان الأب متسلطا ومتعسفا في سلطته فإن هذا يؤدي إلى تكوين اتجاه نحو العالم محوره القهر والديكتاتورية. (المرجع السابق 214).
مبــادئ التــعلم واكــتساب القــيم والاتــجاهات:
ما دامت الاتجاهات والقيم متعلمة فإنه ينطبق عليها الكثير من مبادئ التعلم في اكتسابها ومن أنواع التعلم والمعرفة التعلم الشرطي الكلاسيكي والتعلم الشرطي بالوسيلة بما فيهما من اقتران وترابط بين المثيرات (المنبهات) والاستجابات والتعزيز (إثابة ، مكافأة ) وتدعيم وتعميم لمنبهات أخرى مشابهة وهكذا بالنسبة للأطفال فالأم تقوم بإشباع حاجات الطفل الأولية فتطعمه ،فالأم مسئولة عن عمليات الإشباع ويعتبر وجودها مثيرا للراحة والطمأنينة فيتولد عنده الدافع إليها .وهذه هي النواة التي تتولد منها الحاجة إلى الحب والتقبل الاجتماعي وتؤدي بالتالي إلى اكتساب الاتجاهات والقيم ،فالطفل يسلك لإرضاء الأم بما يتفق والقيم التي تتوقعها منه كالتحصيل والنظافة وما إلى ذلك فالطفل يخرج إلى المجتمع بعد أن تكون الأسرة قد غرست فيه بذور كثيرة من القيم والاتجاهات وهذه العملية بالإضافة إلى كونها عملية تعلم فهي عملية تبادل اجتماعي إذ يعطي فيها الآباء ويأخذون كما يعطي فيها الطفل و يأخذ (تبادل في الأخذ والعطاء) ويدعم كل منهما سلوك الآخر (عن طرق الإثابة) .
فالطفل يتعلم الاتجاهات والقيم عن طريق التقليد، وقد يتم التعلم دون وجود إثابة أو التدعيم بشكل بارز ودون قصد التعلم إذ كثيرا ما نجد الأبناء قد أخذوا عن الآباء الكثير من التصرفات والكلام، ولكنهم ما تعلموه منهم، تعلموه دون قصد ودون إرادة ودون وعي، كما أنهم يتعلمون من أقرانهم في المدرسة ألفاظا وتصرفات بطريقة عرضية صرفة [1]
ومن العوامل المؤدية لاكتساب القيم والاتجاهات التي قد تفسر التقليد للنموذج مع عدم وجود الثواب تقمص شخصية النموذج، وامتصاصه للمعايير الاجتماعية وتشربه لها ومعرفة
ما هو خطأ وما هو صواب وتكوين ما يسمى بالضمير. فالروابط العاطفية بالنموذج الذي يتم تقمصه من أهم العوامل التي يقوم عليها تعلم القيم الخلقية، ومن المتفق عليه بين لكثير من علماء النفس أن من مظاهر عملية التقمص أن الطفل يحذو حذو النموذج الذي تقمصه في سلوكه ودوافعه واتجاهاته وفي فكرته عن نفسه.
مستويات اكتساب القيم والاتجاهات:
ومن أجل تدعيم القيم تقوم المناهج التربوية على عملية مخططة تمر عبر مراحل يمكن اختصارها فيما يلي:
- الاستقبال : وفي هذا المستوى يتم جذب المتعلم نحو القيمة وذلك باستغلال المثيرات التي يتفاعل معها ويستجيب لها .ويستحسن هنا جذب الأفراد إلى التفاعل والرغبة في الأعمال والاستجابة للمثيرات طوعا .
- تقبل القيمة وهنا تصبح القيمة ذات أثر في سلوك الفرد ، وتتكون لديه القدرة على التعبير عن إرادته تجاه قضايا ومواضيع مختلفة .
- تفضيل القيمة وفي هذا المستوى يتعدى الأمر مجرد التقبل إلى رسوخ هذه القيمة ، وازدياد الشعور بالإيجابية نحوها .
- الالتزام بالقيمة والإخلاص لها وربما محاولة إقناع الآخرين بها .
- التنظيم ، حيث توضع القيمة في نسق متكامل ، تساعد الفرد في التغلب على الصراعات وضبط الأولويات وتحديد العلاقات المتبادلة بين قيمه .
- التمييز، حين تتكامل الأفكار والمعتقدات في فلسفة الحياة ، يصبح لدى الفرد سلوكا متميزا تجاه قضايا الحياة ومشاكلها المختلفة .
تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تسهم في نقل القيم من جيل إلى جيل فهي التي تحدد لأبنائها ما ينبغي ومالا ينبغي في ظل المعايير الحضارية السائدة. إن تبنى الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والرعاية والاهتمام فنمو الضمير الأعلى يتضمن عملية التوحد أو التماهي للطفل مع والديه كما هو الصبي مع الأب و كما هي البنت مع الأم (فؤاد حيدر، 1994، ص 100) أما العوامل الأسرية الأخرى التي تؤثر سلبا أم إيجابا في عملية الاكتساب، نوع السلطة التي يمارسها الأبوان وكيفية تركيب الأسرة والمستوى الذي تحظى به من وعي وٕاد ا رك وثقافة ومعتقدات واتجاهات وقيم (جليل وديع الشكور 1989 ص 215)
|
تصنيف القيم:
لايوجد تصنيف موحد يعتمد عليه في تحديد أنواع القيم ، فهناك العديد من التصنيفات التي وضعها الباحثون في هذا المجال بناء على معايير مختلفة ، ويذكر (عبد الرحمان المعايطة، مرجع سابق ) الأسس التي اعتمد عليها في تصنيف القيم على النحو التالي :
اختلف العلماء في الأساس الذي يعتمدون عليه في تصنيف القيم ، لأن القيم ترتبط ارتباطا وثيقا كما بيناه سالفا بأنماط السلوك والحاجات والأدوار الاجتماعية فيمكن اعتبار كل ظاهرة هي أساس تصنيف القيم ، وهناك من يصنفها على أساس الشخصية ،والمجتمع أو الثقافة ويمكن أن نحصل على التصنيفات حسب مختلف الاتجاهات النظرية فيما يلي:
- تصنيف على أساس المحتوى:
ويقوم هذا التصنيف على أساس المعنى الذي تحمله القيمة نفسها نذكر منها القيمة النظرية وهي أن يتخذ الفرد اتجاها معرفيا يسعى من خلاله الكشف عن القوانين التي تحكم ما يحيط به من العالم الخارجي ، أما القيمة الاقتصادية وهي الاهتمام بما هو نافع ومفيد ، يتخذ الفرد من محيطه مصدرا لتحقيق الثروة وإنمائها وهي مميزات شخصية رجال الأعمال ،أما القيمة الجمالية تمثل اهتمام الأفراد بتقدير ما يحيط بهم من ناحية التكوين والتوافق الشكلي وهذا جانب ذوقي للفن والجمال وهناك قيم اجتماعية وسياسية ودينية تميز الأفراد في علاقاتهم مع بعضهم البعض
- تصنيف على أساس شدة القيمة:
وهذا التصنيف يركز على مدى امتثال الأفراد وخضوعهم للقيم السائدة في المجتمع من حيث أثرها ووقعها على المجتمع ، فنجد القيم الإلزامية وهي الفرائض والنواهي ذات قدسية خاصة كالعقيدة والعبادات ومن هذه القيم نجد القيم التي تنظم العلاقة بين الجنسين وهي مستمدة إما من الدين أو العرف أو القانون ، أما القيمة التفضيلية تحدد ما يفضل أن يكون ولها علاقة مباشرة بسلوك الأفراد وتبلغ شدة أثر هذه القيم في توجيه السلوك عن طريق أسلوب الثواب والعقاب، في حين تمثل القيم المثالية القيم الكمالية والتي تتطلب الكمال في الأمور كمقابلة الإساءة بالإحسان وهذا النوع لا يمكن تطبيقه بصورة تامة في المجتمع .
باختلاف ظروف الفرد الاجتماعية والدينية والسياسية كقيمة التمسك بالتقاليد، أما القيم الخاصة فهي مرتبطة بطبقة اجتماعية معينة أو منطقة جغرافية محدودة وهذه القيم تعمل على تماسك أفراد هذه الفئة أو الطبقة وترابطها حتى يمكن التنبؤ بسلوك صاحبها كقيم الطبقة المتدينة.
- تصنيف القيم على أساس القصد:
وهي القيم التي تمثل وسائل لغايات معينة وهي نوعان القيم الإنسانية وتعرف بالقيم الوسيطة وهي تمثل سلوك الأفراد الموصل إلى تحقيق الغايات، أما القيم الغائية فهي تعبر عن الغايات في حد ذاتها .
- تصنيف القيم على أساس الوضوح:
وهي القيم الظاهرة الصريحة والتي يعبر عنها الفرد بالكلام ، أما القيم الضمنية يستدل عليها من ملاحظة السلوكيات والاتجاهات الاجتماعية .
- تصنيف القيم على أساس الدوام:
وهي القيم المرتبطة بعامل الزمن من حيث ديمومتها ، فهناك قيم دائمة نسبيا تنتقل للأجيال عن طريق الاحتكاك أو التنشئة الاجتماعية والمرتبطة بالعرف والتقاليد كقيم احترام كبار السن، أما القيم العابرة أو الوقتية فهي سريعة الزوال وعارضة نجدها عند الشباب كالقيم المرتبطة بالموضة .
- + تصنيف القيم حسب المحتوى: إذ تنقسم القيم حسب هذا الأساس إلى قيم نظرية، قيم اقتصادية، قيم جمالية، قيم اجتماعية، قيم سياسية، وقيم دينية.
- + تصنيف القيم حسب مقصدها: إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم وسائلية، قيم غائية.
- + تصنيف القيم حسب شدتها: إذ تصنف القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم ملزمة، وقيم تفضيلية أي يشجع المجتمع أفراده على التمسك بها، ولكن لا يلزمهم بها إلزاما
- + تصنيف القيم حسب العمومية: إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم عامة يعم انتشارها في المجتمع كله، وقيم خاصة تتعلق بمناسبات أو مواقف اجتماعية معينة.
- + تصنيف القيم حسب وضوحها: إذ تنقسم القيم إلى قسمين: قيم ظاهرة أو قيم صريحة
- وهي القيم التي يصرح بها ويعبر عنها بالسلوك أو بالكلام، وقيم ضمنية، وهي التي يستدل على وجودها من خلال ملاحظة الاختيارات والاتجاهات التي تتكرر في سلوك الأفراد.
- + تصنيف القيم حسب ديمومتها: إذ تصنف القيم، حسب هذا الأساس، إلى صنفين، هما: القيم الدائمة، وهي التي تدوم زمنا طويلا، وقيم عابرة وهي التي تزول بسرعة ( المعايطة 2000 ص 187) .
|
جدول تصنيف القيم
المثال
|
المعنى
|
التصنيف
|
لأساس
| |
الفلاسفة ، العلماء
|
اهتمام الفرد وميله إلى اكتشاف الحقيقة
|
نظرية
|
المحتوى
| |
رجال المال ، والأعمال
|
اهتمام الفرد وميله إلى ماهو نافع ، ويتخذ من البيئة المحيطة به وسيلة للحصول على الثروة عن طريق الإنتاج والتسويق.
|
اقتصادية
| ||
الفنانون
|
اهتمام الفرد إلى ماهو جميل ومتوافق ومنسق
|
الجمالية
| ||
المصلحونالاجتماعيون
|
اهتمام الفرد بغيره من الناس ومساعدتهم
|
الاجتماعية
| ||
قادة الرأي
|
اهتمام الفرد بالنشاط السياسي والعمل السياسي.
|
السياسية
| ||
رجال الدين
|
اهتمام الفرد وميله إلى معرفة ما وراء العالم الظاهري، ومعرفة أصل الإنسان ومصيره ...الخ
|
الدينية
| ||
الترقيات
|
تعتبر وسائل لغايات أبعد
|
وسائلية
|
المقصد
| |
حب البقاء
|
تعتبر غاية في حد ذاتها
|
غائية
| ||
تنظيم العلاقة بين الجنسين
|
ما ينبغي أن يكون
|
ملزمة
|
الشدة
| |
إكرام الضيف
|
ما يفضل أن يكون
|
تفضيلية
| ||
كمقابلة الإساءة بالإحسان.
|
تحدد ما يرجى أن يكون
|
مثالية
| ||
أهمية الدين، الزواج
|
يعم شيوعها وانتشارها في المجتمع كله
|
عامة
|
العمومية
| |
الأعياد
|
متعلقة بمواقف معينة خاصة أو طبقة أو جماعة خاصة
|
خاصة
| ||
الخدمة الاجتماعية.
|
التي يصرح بها ويعبر عنها بالكلام
|
ظاهرة
|
| |
لتفاني و الإخلاص في العمل .
|
يستدل على وجودها من ملاحظة الميول والاتجاهات
|
ضمنية
| ||
التراالثقافي (الأعراف،التقاليد )
|
تبقى زمنا طويلا وتنتقل من جيل إلى آخر
|
دائمة
|
الدوام
| |
الامتحانات المهنية
|
وقتية عارضة قصيرة سريعة الزوال
|
عابرة
|
أنـــــــــــواع القــــــــــيم :
- القيم الدينية : ترادف القيم الدينية كل القيم الإيجابية في المجتمع ، وتتضمن مبادئ وأحكام أخلاقية ، فهي تدعو إلى السلوك القائم على المودة والتراحم التعاون والتكافل ويكون التعامل مبني على الصدق والأمانة والوفاء ، والمثالي أن تعمق مثل هذه القيم في نفسية وعقول الأطفال وبالتحديد في أولى مؤسسات التنشئة الاجتماعية. "الأسرة" وتشكل القيم الدينية جوهر التنمية البشرية لكل المجتمعات العربية ومن ثمة تشكل القيم الدينية القاعدة التي يرتكز عليها البناء القيمي والثقافي للمجتمع ولا يبدو هذا جليا إلا في المجتمعات الإسلامية، يختلفالأفراد في فهمهم للمعانيالتي تحملها القيم الدينية بين كلا من المدينة و الريف بسبب رسوخ ومركزية المؤسسات الدينية من خلال تواجد ما يعرف بالزوايا .
- القيم الأخلاقية : تشتق القيم الأخلاقية من الضمير الأخلاقي فهو محور الشخصية الإنسانية وتهدف القيم الأخلاقية إلى تقييم الشخصية ، ولقد اعتبر قديما القيم الأخلاقية مستمدة من القيم الدينية فهي مرتبطة بالسلوك أو الفعل الإنساني ، ويتعلم الطفل منذ مراحل نموه الأولى أنه يعيش في مجتمع يستمد منه القيم الأخلاقية، وأنه عضو فيه لذلك يجب أن يكون صالحا وقادرا على تحمل المسؤولية والمشاركة الفعالة فيه وتقوم القيم الأخلاقية على ثلاثة أركان: الفعل وغايته ، وفاعل الفعل ، والانفعال و ماهي إلا وسائل من أجل تحقيق الغاية والهدف، والتقارب والتواصل بين الأفراد والأخلاق يجب أن تكون همزة وصل بين النشاط العقلي والفعل الإنساني، وحبذا لو أن كل نشاط يصدر عن الفرد يسترشد بالأخلاق والفضيلة .
- القيم السياسية والوطنية : ينشأ الفرد منذ مراحل عمره الأولى على الانتماء و الولاء وحب الوطن والدفاع عنه ، وتكمن أهمية هذه القيم في بناء الجماعة ذاتها ، وهناك تداخل بين هذه القيم وقيم المحافظة على المجتمع وهذا ما أكده إميل دوركايم.
-القيم الاقتصادية : إن احترام قيمة الوقت وقيمة العمل المتبع ورفض القيم الاستهلاكية القائمة على الترف والبذخ هي من الأمور التي يتربى عليها وينشأ في ضوئها الأجيال ، كما تعتبر قيمة العمل الجماعي والمشاركة الاجتماعية والادخار هي الأساسيات التي تلح عليها كلا من المدرسة والبيت وحتى المجتمع ، وتختلف القيم الاقتصادية في المدن عما عليه في الريف ، فيسود في المدن القيم الحضارية التجارية كالربح والنجاح والكسب المادي والقيم الاستهلاكية كالرفاهية والتجمل والأزياء ، أما في الريف فتسود قيم التعلق بالأرض وتقديسها والقيم العائلية كالتكافل والقيم المعيشية كالمثابرة والصبر ، إذن الأحرى أن توحد المعاني في القيم ويستوعبها كل أفراد المجتمع بشكل سليم وصحيحو موحد، حتى لا تختلف الآراء ووجهات النظر وتكون مصلحة الفرد من مصلحة المجتمع والعكس صحيح.
- قيم الأسرة والجماعة : يعتبر التماسك الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة واحترام الوالدين من القيم التي ينشأ عليها الأبناء ، بل تعتبر من أبرز القيم الأساسية في حياته " وبما أن العائلة هي نواة التنظيم الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ترى أنها هي المصدر الأهم للقيم ... في الواقع إن للقيم العائلية الأولوية الأكثر تأثيرا في السلوك من أية اتجاهات قيمية أخرى ، كما تعتبر قيم الأمن والاستقرار والاطمئنان من المفاهيم الأساسيةللحياة الزوجية والتي تقوم على الحب والمودة والتكافل بين أعضاء الأسرة الواحدة وما تغرس فيهم (الأبناء)من قيم ومدى انعكاس ذلك على سلوكهم مع باقي أعضاء المجتمع ، ولقد استمدت من الأسرة عدة قيم أخذت الصورة العالمية في مطالبها فمثلا قيم المساواة بين البشر واحترام الإنسان لأخيه الإنسان من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان .
وما يمكن استخلاصه أن الإنسان يمكن أن يتخلى عن قيم طبقته ، إلا أنه لا يتخلى عن قيم دينه ولا عائلته " إن الدين هو جزء من تراثه العائلي ، والعائلة جزء من تراثه الديني ، إذن يمكن اعتبار أن القيم مستمدة أساسا من أنماط المعيشة ومن البنية الطبقية والعائلية والدين والنظام العام السائد في المجتمع ككل .
عوامـــــــــل تشـــــــكـــيل القــــــيم :
هناك عوامل عدة تساهم في تشكيل القيم وأهمها الإطار الحضاري والأسر ووسائل الإعلام .
أـ العوامل البيئية والاجتماعية: يمكن تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الأفراد في اكتساب نسق القيم على ضوء المؤثرات البيئية والاجتماعية ويرى بنجتستونBengtsson Jenny أن القيم ما هي إلا نتاج ثلاث مستويات اجتماعية :
- المستوى الأول: وهو المستوى الذي تحدد فيه الثقافة المفاهيم الجديرة بالرغبة فيها، وهو مرتبط بدور الإطار الحضري في اكتساب القيم .
- المستوى الثاني: حيث تتوجه الأسرة نحو قيم وغايات معينة .
- المستوى الثالث: ويتمثل في الجوانب الاجتماعية الفرعية كالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والدين والجنس والمهنة والتعليم .
ب ـ العوامل النفسية: والمرتبطة بسمات الشخصية والتي تلعب دورا مهما في تحديد التوجهات القيمية للأفراد ، فهناك علاقة بين القيم وسمات الشخصية ، حيث أن هناك تأثير لكل من القيم الدينية والقيم المعرفية في سمة التعاون مع الغير ، وأن هناك تأثير للقيم السياسية والجمالية والاجتماعية على سمة تأكيد الذات .
ج ـ العوامل البيولوجية: وتشمل الملامح أو الصفات الجسمانية كالوزن، والطول والتغيرات في هذه الملامح ويصاحبها تغيرات في نسق القيم .
2 ـ دور الأسرة في اكتساب القيم : تعتبر الأسرة وسيلة اتصال بين الأجيال المتتالية عن طريق تنشئة الأطفال على القيم والمبادئ والمعايير الاجتماعية ، فهي تقوم بنقل التراث بين الأجيال من أجل تكوين شخصية سوية اجتماعيا وروحيا وعقليا وحتى جسميا ويرى ديفيد كراثول( krathwohl ) أن اكتساب القيم يحدث عبر عمليات متسلسلة على نحو هرمي ذات خمس مستويات هي :
- مستوى الاستقبال : وهي مرحلة وعي المتعلم وحساسيته بالمثيرات المحيطة به ، ورغبته في استقبالها وضبط وتوجيهه نحو مثيرات معينة .
- مستوى التقييم : يعطي المتعلم تقديرا وقيمة للأشياء والأفكار ، ويسلك سلوكا متسقا وثابتا إزاء الموضوعات بشكل يجعل لديها قيمة معينة .
- مستوى الاستجابة : وهي مرحلة الاندماج في الظاهرة أو النشاط مع الشعور بالارتياح في ذلك.
- مستوى التنظيم : هي مرحلة تنظيم القيم ، يقف فيه المتعلم على العلاقات المتبادلة بين مختلف هذه الأخيرة ويعيد تنظيمها في منظومة حيث تبنى وفق ترتيب وسيادة كل منها على القيم الأخرى .
- مستوى الوسم بالقيمة : يستجيب المتعلم استجابة منسقة للمواقف المشحونة بالقيم ، وفقا للقيم التي يتبناها ويؤمن بها ويتم إصدار السلوك دون الإشارة للأفعال، ويوسم بقيمة تدل على نمط سلوكه وحياته .ويمكننا التأكيد على دور الأسرة كوسيط هام وأساسي بين الثقافة والفرد من خلاله يتحقق غرس القيم أو تغييرها ،وأوضحت بعض الدراسات أن هناك درجة من التجانس بين قيم الوالدين وقيم الأبناء بالرغم من وجود اختلاف بين الجيلين .
3 ـ دور وسائل الإعلام : وتكمن أهميتها ودورها من حيث قيمتها الحضارية حيث تقوم بنشر أفكار ومعتقدات وتطوير أنماط السلوك الاجتماعي بما يتلاءم مع الظروف الجديدة ، فهي " تقوم بدور أساسي في الحث على القيم الجديدة ، وتدعم القيم التي تخدم التطور وتلغي القيم التي تعوقه "ولا يمكن أن نغفل عن الدور الذي تقوم به في بث القيم العامة للمجتمع والتي تهدف إلى ترسيخها وتعميقها أو في تضعيفها لدى الأفراد .
- قادة الرأي : يمثل قادة الرأي ذوي التأثير الكبير على أفكار وأراء ومواقف وسلوكيات الأشخاص ، كما لها دورا هاما في تشكيل الرأي العام ، وتوجيهه ونشر القيم المرغوبة فيها ويكون ذلك بصورة متكررة ولأسباب شخصية غير رسمية ليست لها علاقة بالمناصب والأوضاع الرسمية حيث "أن قادة الرأي يؤثرون في سلوك الأشخاص ويلعبون دورا رئيسيا في إلغاء القيم التي تعوق المجتمع ، ويساهمون في ترسيخ القيم النبيلة من خلال ما يقدمونه من أفكار وأراء ومعلومات ".
فمن خلال عملية القدوة يبثون قيمهم ، وأفكارهم ،ومعتقداتهم بذلك تكون عملية تمريرها إلى الأشخاص الآخرين.
- المؤسسة الدينية : تقوم المؤسسات الدينية بوظائف حيوية ومهمة في نشر وترسيخ القيم ولا سيما القيمة الدينية منها ، حيث تقوم بتلقين الفرد التعاليم الدينية والمعايير الروحانية التي تنظم سلوك الفرد وتضبطه ،كما تنظم سلوكيات الأفراد حين تفاعلهم مع بعضهم البعض بالدعوة إلى التحلي بالقيم الدينية التي تؤدي إلى السلوك السوي والترغيب فيه طمعا في الثواب ورضا النفس والحث على الابتعاد عن السلوكيات المنحرفة وغير السوية ، لذلك فهي تعتبر من المؤسسات التربوية التي تساهم في عملية التنشئة الاجتماعية باعتبارها مؤسسة تربوية اجتماعية لها دورها الديني والدنيوي الهام بإتباعها الأساليب النفسية والاجتماعية في غرس قيمها الدينية التي لها أثر كبير في التنشئة الاجتماعية .
- جماعة الأقران : ينخرط الطفل في اللعب مع جماعة الأقران ، ولقد اعتبر علماء النفس "اللعب أفضل وسط قادر على إتاحة فرص باستخدام الحواس والعقل بصورة بناءة ومربية ... يكتشف الطفل بيئته ويتعرف على عناصرها ومثيراتها المتنوعة والمختلفة " ، فباحتكاك الفرد مع أقرانه وتفاعله معهم يتعلم ثقافة مجتمعه وقيمه ، كما أن الفرد يحتكم إلى معايير تلك الجماعة التي ينتمي إليها ، وإذا تمرد عليها طرد من الجماعة وعادة ما تكون معايير وقيم الجماعة موافقة لمعايير وقيم المجتمع وبذلك يظهر دور جماعة الرفاق في عملية التنشئة الاجتماعية، وبالتالي نشر القيم والمعايير بين أفرادها و" يبدأ ظهور تأثير الجماعة الرفاق في تطور شخصية الطفل ، إذ يصبح الرفاق نماذج سلوكية يمكن تقليدها ....ومحكيات يقيس الطفل بواسطتها صلاحية سلوكه الخاص ومدى فعاليته لتصبح جماعة الرفاق مصدر آخر من مصادر الخطأ والصواب لسلوك الفرد .
وقد توصل جاري بيكر (BECKERGARY)إلى أن " الرفاق وما بينهم من علاقات اجتماعية تشمل تناول الأحاديث والمنافسات لما له من عظيم الأثر على القيم والسلوك " .
إن كل المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل الفرد معها تتعاون وتتشابك مع بعضها البعض لتأدية وظائفها ، فيتعلم الفرد ما هو مشترك بين هذه المؤسسات ، كما يتعلم ما هو خاص بمعنى ما هو أولي من ما هو ثانوي ،وكلها تلعب دورا هاما وفعالا في تنشئة الأفراد وبث القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية ، فالقيم تكتسب من خلال عملية التطبيع الاجتماعي للفرد منذ ولادته إلى موته في المجتمع وتسمى هذه العملية بالتكوين النفسي من خلال تأثير الوالدين في الأسرة ،إلى زملاء العمل إلى المؤسسات الاجتماعية الكبرى .
وهناك من يرى أن أصل القيم ومصدرها هي الطبيعة البشرية والتكوين النفسي للفرد أما المصدر الثاني هو المجتمع ويتمثل في العقل الجماعي فهو مصدر الإلزام ، حيث يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن التقويم خارج عن ذوات الأفراد بل هي ذات من أصل مجتمعي حيث "أن القيمة ناشئة عن الحتمية الاجتماعية أو الحتمية الاقتصادية مما يعطيها مبرر و يجعلها متعالية عن الأفراد" ، أما الاتجاه الثالث فيردها إلى الأشياء والأفعال في ذاتها ، لأن القيم تسعى إلى تقييم الإنسان لها ، أما الرأي الرابع يرى أن مصدرها قوة خارجة عن الإنسان والمجتمع لا يعرف لها منشأ ولا كنه.
ومهما كان مصدر القيم فإنها تقوم بدور إيجابي في تحديد الأدوار الاجتماعية وكيفية أداءها ، وهذا يشكل تساند وظيفي بين الأدوار والقيم ، فالأدوار تخلق القيم وتؤثر فيها والقيم تعدل الأدوار وهذا ما يحقق للبناء الاجتماعي توازنه وخصوصيته ، كما تتساند القيم وتترابط مع بعضها البعض في شكل هرمي ، كما أنه تتحرك وتتغير بما يجعلها ديناميكية وحركتها ليست مفاجئة بل بطيئة تحتاج إلى مدة زمنية كبيرة لإحداث تغيير في سلوكيات الأفراد وتوجهاتهم حسب ما تمليه القيم الجديدة والتي تعبر عن تغير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
|
مصــــــادر القـــــيم :
اعتبرت العديد من الدراسات العربية والأجنبية المتعلقة بالقيم values، أن المصدر الذي تنبع وتستقى منه القيم هو المجتمع وأفراده ، من خلال التفاعلات الاجتماعية والبيئية .
فالدين والعقل والجدل حول أيهما المصدر الوحيد للمعرفة البشرية هل هو الله أم المجتمع؟ وهناك من يؤكد على أن مصدر القيم اجتماعي ثقافي أمثال بارسونز باعتبار " أن البناء الثقافي يحدد الأهداف المقبولة والبناء الاجتماعي يحدد وسائل تحقيق هذه الأهداف لتحقيق التكامل والتوازن " (عبد الباسط عبد المعطي 1970، ص 98)، في حين ترى بعض الدراسات الأخرى أن للقيم مصدرين هما :
- المصدر الأول:
ويتمثل في الدينات السماوية الأولى التي يستقي منها الإنسان قيمه ، والدين الإسلامي ممثلا في كتاب الله عزوجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، حافل بكل ما يثبت دعائم القيم ويرسخ الأسس والمبادئ التي تستقيم معها الحياة الصالحة ، فالدين هو مصدر الأخلاق المثلى ، وكما أن تعاليم الدين تؤدي وظيفة مزدوجة في غرس القيم وتنميتها وإصلاح المعوج منها فهي تحدد السلوك الصادر من الأفراد تجاه الأشياء وتقوم بترشيد النسبة القليلة للسلوك الصحيح فالدين يقوم بوظيفة غير رسمية في تهذيب السلوك وتحويله إلى سلوك إنساني وهي ميزة تنفرد بها الديانات وخاصة الدين الإسلامي وبالتالي فإن الدين الاسلامي نجح في رسم العلاقة بين الانسان والمجتمع من حوله والارتقاء بسلوك الفرد وتنظيم تكوينه النفسي الداخلي (الأمارة 2000 ص 120.)
- المصدر الثاني:
ويتمثل في العالم الخارجي بما فيه من البشر والمحسوسات ونذكر منها:
أ- الأسرة:
تعد الأسرة من أهم وأولى المؤسسات التربوية الاجتماعية لما لها من دور أساسي في إكساب الأفراد القيم وتشكيل شخصياتهم وتكاملها، فهي المسؤولة عن بث روح المسؤولية، و القيم تعود الأبناء على احترام النظام والتواصل مع الآخرين، كما للأسرة دور حيوي في نقل التراث الاجتماعي من جيل لآخر .
ب- المؤسسات التعليمية:
وتبدأهذه المؤسسات بدور الحضانة ورياض الاطفال ثم المدرسة بمراحلها ثم مرحلة التعليم الجامعي ، فلكل هذه المؤسسات دوره لمواصلة دور الأسرة في التنشئة الإجتماعية وذلك بما تقوم بغرسه من قيم إجتماعية وإنسانية للفرد فتكسبه القدرة على تحليل الواقع الذي يعيشه ،ومواجهته للتحديات والأخطارالمحدقة داخليا و خارجيا ولهذا فإنه يجب أن تتضمن المناهج الدراسية قيما تساهم في البناء السوي لشخصية المتعلم.
ت- جماعة الرفاق :
تعتبر جماعة الرفاق مصدرا من مصادر إكتساب القيم بحيث يتأثر الفرد بأفكار وسلوك من حوله وتتوقف درجة تأثر الفرد بقيم وإتجاهاترفاقه بمدى تقبله وإنتمائه لأفكار هذه الجماعة.
ث- وسائل الإعلام:
تتعدد وسائل الإعلام فتشمل الإذاعة، التلفزيون، الصحافة السينما، المسرح، الكتب، والانترنيت. وتلعب هذه الوسائل الإعلامية دورا فعالا في إكساب الأفراد القيم وتوجيههم نحو السلوك السوي، كما تعلب دورا في نشر بعض العادات السيئة والدخيلة على المجتمع، وهنا تظهر الحاجة لنشر القيم السليمة وكبح السلوكات غير السوية.
وعليه فإن القيم هي مجموعة الأحكام التي يصدرها المرء على أي شيء مستندا في ذلك على مبادئ مستوحاة من القرآن والسنة وما يكتسبه من التنشئة الإجتماعية حيث يظهر دور الأسرة ، المدرسة والمجتمع بما فيه في ترسيخ القيم لدى أفراد المجتمع .
الاتجــــــــــــــــاهات المفســـــــــرة للقيم :
الاتجاه النفسي في تفسير القيم :
لقد تأخر الاهتمام بموضوع القيم في الدراسات النفسية ، ويرجع علماء النفس ذلك إلى أن القيم تقع خارج نطاق الدراسات الأمبيريقية ، وهي جوهر علم النفس ، فصعوبة قياسها وتحديد أبعادها وعلاقاتها بغيرها من المفاهيم شكل عائقا أمام دراستها بأسلوب علمي يعتمد على المنهج الأمبيريقي ، كما أن اتسامها ) القيم ) بالذاتية وابتعادها عن الموضوعية شكل عائقا آخر للدراسة فكانت حكرا على الدراسات الفلسفية والدينية والأنثروبولوجيا .
ولقد بدأ الاهتمام بالقيم من قبل علماء النفس في الأربعينيات من القرن العشرين، ويرجع الفضل إلى العالم "ثرستون"Therstonوالألماني "سبرانجر" Spranger .
ولقد قام بتوزيع أنماط الشخصية وفقا لسيادة إحدى القيم : القيم النظرية ، القيم السياسية ،والقيم الاجتماعية ، والقيم الاقتصادية والدينية ، والجمالية ، فيرى" فرويد" Freudأن الشخصية تتكون من الهو "ID"،والاناEGO""، والانا الأعلى ، ولقد زاد الاهتمام بموضوع القيمة في مجالات علم النفس وخاصة علم النفس الاجتماعي الذي يحاول فهم و تفسير سلوك الفرد في الجماعة ، لأنها (القيمة) توحد سلوك الفرد وأحكامه ، واتجاهاته وفقا لما هو مرغوب فيه أو مرغوب عنه من خلال معايير وقواعد المجتمع ، ورغم ذلك تبقى الإسهامات في دراسة القيم قليلة مقارنة بدراسة الاتجاهات ، لاعتقاد الباحثين أن القيم ليست لها قابلية التغير ، هذا ما كشفت عنه الدراسة المسحية لـ "ميلتون روكيش"« Milton Rokeach» أعوام مابين1961- 1965 ، كما أن الاتجاهات هي التي تحدد السلوك الاجتماعي أكثر من القيم ، وبعد إضفاء الصبغة الموضوعية للقيم ومحاولة تجريدها من الذاتية بإتباع المنهج العلمي في تفسير السلوك الاجتماعي للفرد ، أخذ موضوع القيم الطابع العلمي ،وركز علماء النفس على ثلاثة جوانب أساسية في التفسير بالتركيز التالي :
- الاهتمام بالفروق الفردية في القيم وعلاقاتها بباقي المتغيرات كالجنس والسمات الشخصية ، والتوافق النفسي والمهني .
- دراسة القيم من خلال علاقتها بالقدرات الإدراكية والمعرفية للفرد ، فاختيار الفرد لموضوع أو شيء معين ، وإعطاء له اهتماما أو قيمة ، واختياره على باقي المواضيع يمثل عملية إدراكية انتقائية كما أن تغير القيم عبر مختلف المراحل العمرية للفرد مرتبط بنمو وظائفه وقدراته المعرفية فالقيم هي متغيرات مستقلة ، والقدرات متغيرات ثابتة .
- ارتقاء القيم عبر العمر: بينت نتائج إحدى الدراسات التي أجريت على ثلاث فئات عمرية من المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية أن مستوى الحكم الأخلاقي يختلف من عمر لآخر فالأطفال ترتبط أحكامهم باللذة والمتعة ، ويتغير الحكم بتغير السن والذي يرتبط بالذات الداخلية ،كما تنتقل من الخصوصية إلى العمومية ،كما أن نسق القيم لدى المراهقين يختلف عن باقي الفئات العمرية ، كقيم الإنجاز والطموح وتقدير الذات ،وتتناقص أهميتها كلما ارتفع سن المراهقين.
وتعددت اهتمامات علماء النفس بتعدد علاقة القيم بالمتغيرات الأخرى التي تساهم في تفسير شخصية الفرد وسلوكه في ضوء التفاعل القائم بينهم ، ومن بين العلماء الذين اهتموا بالقيم وآثارها على التركيبة النفسية والعقلية نجد مثلا :
تصور نيوكمبSimonnewcomb أيزنكHansEysenk :
القيم هي مفاهيم عامة ،مجردة ومرتبطة بعملية الاختيار والتعميم لدى الفرد عبر مختلف مراحله العمرية ، فهناك مواضيع و أنشطة لها أهمية لدى الفرد تعمل على إثارة دوافعه اتجاهها بمعنى يكون لديه اتجاها نفسيا نحوها(المواضيع والأنشطة) ، وتنتظم هذه الاتجاهات فيما بينها لتكون قيمة متعنتة عن تلك المواضيع أو الأنشطة ، أما "هانزأيزنك" فيرى أن آراء الفرد حول موضوع هو بداية مكونة للاتجاه ، وتلتقي الاتجاهات لتكون الأيديولوجية أو القيمة ، فهو يميز بين الرأي ، والاتجاه ،والقيمة على أساس البساطة ، التعقيد أو التركيب .
يعتبر نسق قيم الفرد وحدة مركبة نتيجة تراكم التغيرات والمعارف في عدة مستويات :
المستوى الأول : توجد الآراء النوعية الطارئة والتي لا ترتبط بغيرها من الآراء ولا تمثل أهمية كبيرة لصاحبها .
المستوى الثاني : تتسم الآراء بنوع من الاستقرار والثبات .
المستوى الثالث : يوجد اتجاهات تمثل مجموع الآراء المترابطة حول موضوع معين والتي تكون اتجاه معين بالإيجاب أو بالسلب .
المستوى الرابع : وهو المستوى الذي يكون فيه تنظيم لعدد من الاتجاهات كالتحفظ أو التحرر .
ويختلف "أوسجود"Osgood Ramberg مع هذا الرأي حيث يرى أن الآراء يمكن التحقق منها على عكس الاتجاهات والقيم التي تعتمد على الذوق ولا يمكن التحقق منها وهناك من يميز بين الرأي والاتجاه والقيمة على أساس الديناميكية والدافعية التي تتسم بها القيم عكس الرأي الذي يخلو من ذلك .
إذن هناك اختلاف بين الرأي ، الاتجاه ، والقيمة ، فالرأي يمكن الفرد من مواجهة الموقف ، فيقوم جزئيا على الاتجاه المرتبط بالشك في الموقف وهو أكثر اتصالا بالأنا، أما القيم فهي حالات خاصة من الاتجاه ، وتنتظم الاتجاهات حول قيمة مركزية تمثل المرجعية للفرد والجماعة .
تصور "روكيش:
القيمة عند روكيش هي ضرب من السلوك وغاية مفضلة لدى الشخص ، وتنقسم القيم في فئتين تقوم بينهما علاقة وظيفية :
- القيمة الغائية : وهي خاصة بالشخص ومرتبطة بالذات ، وهي غايات في ذاتها كقيمة تقدير الذات وقيمة السلام ، وهي قيم خاصة بالعلاقات بين الأشخاص والجماعات .
- القيم الوسيلية : وتشمل القيم الأخلاقية كالصدق ،وقيم الاقتدار والكفاءة .
- وتترتب القيم حسب أولوياتها لدى الفرد أو الجماعة ،وتغيرها مرتبط بعدة متغيرات :فكرية ثقافية اجتماعية ، سياسية ، وحضارية .ويزداد اكتساب الفرد لعدد من القيم مع امتداد عمره وباختلاف بيئته الاجتماعية والثقافية .
تصورتولزسيموندSimonTools
يعتبر سيموند من الأوائل الذين اهتموا بدراسة القيم من المنظور السيكولوجي ولقد أجرى دراسة حول القيم وعلاقتها بالجنس ،وتوصل إلى أن الذكور يعتبرون المال أهم مشكلة تواجههم وتشغلهم أما الفتيات فيركزن على جاذبيتهن الشخصية وهي محور اهتمامهن كما وجد أن الجنس له علاقة بالتقييم ،فالإناث أكثر تمييزا في الترتيب التقييمي للسلوك المرغوب فيه والمرغوب عنه اجتماعيا مقارنة بالذكور .
القيم من المنظور الاجتماعي:
لقد اعترض الكثير من علماء الاجتماع على غرار علماء النفس على دراسة القيم دراسة علمية لاعتبارها من المواضيع التي تفتقد إلى الموضوعية والتي هي صفة أساسية في العلم ،زد إلى أن هذا المفهوم متعدد المعاني بتعدد المنطلقات الفكرية التي تعالجه ،قد ساهم في إبعاده من حقل الدراسات الاجتماعية ، وحتى بعد إقحامها في هذا المجال فلقد اتسمت الدراسة بطابع الفلسفة الاجتماعية في تحليل القيمة كظاهرةاجتماعية .
ولم يظهر أي اهتمام بالقيم كموضوع بحثي إلا في عام 1918 في دراسة " بافيت لتوماس " TOMAS
و"زنانيكي" Florian ZNENIEKi عن الفلاح البولندي في أوربا وأمريكا حيث ظهر الاهتمام بالقيم التي يحملها الفلاح اتجاه أرض المهجر ، وفي عام 1949 قام " مكرجي"Mukergee" بدراسة حول " البناء الاجتماعي للقيم " ومن هناك جاء الاهتمام بموضوع القيم من خلال دراستها من بعض الزوايا .
ورغم تأخر دراسة موضوع القيم دراسة كاملة في مجال علم الاجتماع ، إلا أنه لا يمكن تجاهل أهمية القيم والمعايير كجزء من البناء الاجتماعي الكلي ، ولقد ساهمت تلك الحركة الفكرية في إثراء العديد من الدراسات الاجتماعية للقيم وإعطاءها مكانة بين المواضيع والقضايا التي يهتم بدراستها علم الاجتماع ، إلى أن خصص فرعا علميا لدراسة الأخلاق والقيم كظواهر اجتماعية بعيدة عن الطرح الفلسفي المثالي فـ " أوغست كونت " حاول إضفاء الصبغة الموضوعية للقيم من خلال تجريدها من الطابع الميتافيزيقي ، فدراسته تنطلق من ملاحظة الواقع وتحليله ، والقيم عنده نسبية وليست مطلقة لأنها مرتبطة بالإنسان وتفاعلاته معها ،ويظهر اهتمامه والظواهر الأخلاقية من خلال تصنيفه للعلوم في فلسفته الوضعية ،حيث صنف العلوم إلى ستة : الرياضيات ،الفلك ،والكيمياء ، علم الحياة ، علم الاجتماع ، وعلم الأخلاق .
الاتجاه الاجتماعي في تفسير القيم:
إميل دوركايمEmile Durkheim
ويظهر اهتمام "إميل دوركايم" بالقيم والأخلاق في محاضراته عن التربية الأخلاقية (1902ـ1907)والتي نشرت بعد ذلك إلى عدة كتب ، منها كتاب التربية وعلم الاجتماع عام 1922.
يرى "دوركايم" أن النظام الأخلاقي هو حقيقة اجتماعية تميز المجتمعات البشرية، والمجتمع ما هو إلا مجموعة من القواعد الأخلاقية ، وإذا اختفى المجتمع فإن القيم الأخلاقية ستختفي بالضرورة لأن الإنسان لا يوصف بأنه أخلاقي بمجرد تبنيه لبعض القيم الأخلاقية في داخله ، بل لأنه يعيش في المجتمع ، فالأخلاق والقيم الأخلاقية ترتبط عضويا بالمجتمع .
والقيم الأخلاقية هي وقائع اجتماعية تتصف بصفات الظواهر الاجتماعية من حيث أنها خارجة عن ذات الإنسان ، وصفتها الإلزامية والعمومية ، وأنها صفة إنسانية مرتبطة بأفعاله، فإنها إذن "لا تتشكل من أطر مثالية ، بل من العادات والمتحيزات الواعية ، فكل منا يتبع في حياته مبدأ أخلاقيا". ومصدر القيم هو العقل الجمعي (الضمير الجمعي) للمجتمع وإذا كانت المجتمعات تنقسم حسب طبيعة العلاقات الاجتماعية وأساليب السلوك ، فإن القيم والقواعد الأخلاقية هي التي تعبر عن شكل التضامن فيها ، ويختلف شكل التضامن باختلاف درجة تطور وتعقيد المجتمعات ، فإن القواعد الأخلاقية تتغير أيضا بتغير أشكال التضامن ، فهناك قواعد تنتشر في المجتمعات البسيطة ذات التضامن الآلي ، وقواعد أخرى تنتشر في المجتمعات المعقدة ذات التضامن العضوي ، وهكذا فإن القيم نسبية عند "دوركايم" وليست مطلقة كما ادعى أصحاب التيار المثالي ، ورغم هذا التباين إلا أن القواعد الأخلاقية لها نفس الدور في مختلف المجتمعات .
وما يمكن استخلاصه أن القواعد الأخلاقية عند " دوركايم" هي حقائق اجتماعية لها صلة مباشرة بالمجتمع وليست مفروضة عليه من الخارج ، وبما أن المجتمعات تختلف في تقسيمها للعمل فإن قيمها وقواعدها الأخلاقية تتباين هي الأخرى مع احتفاظها بدورها في جمع وعي المجتمع كله حول هدف واحد لتشكيل ضمير جمعي للأمة وبذلك تشكل القواعد الأخلاقية الإطار العام لروح الأمة أو لضميرها الجمعي.
ورغم الطرح المعياري الذي تميز به " دوركايم" لفهم وتفسير الحياة الاجتماعية إلا أنه استطاع أن يدرس القيم كظاهرة اجتماعية شيئية لها صفات الظواهر الاجتماعية الأخرى مما مكنه من دراستها وفقا لمنهجه .
ماكس فبيرMaxWeber:
يرى فيبر أن الفعل الاجتماعي هو سلوك إنساني يحمل معنى، وتتشكل معاني الأفعال من القيم الكامنة ، وتبدو النتيجة في سلوك الفرد أو الجماعة ، فلا يمكن فهم الفعل وتفسيره إلا بالرجوع إلى القيم محركة والدافعة له .
ولما كانت القيمة مرتبطة بالفعل ، والأفعال متباينة ومختلفة فإن القيم تتباين وتختلف أيضا ، ولذلك " فكما تصاغ الأفعال في أنماط متتالية ( الأفعال العقلانية ، الوجدانية والتقليدية ) فإن القيم الأخلاقية يمكن أن تصاغ في أنماط متتالية ، ذلك أنها تتعثر لا بين داخل المجتمعات بل داخل المجتمع الواحد."، فالقيم عند ماكس فيبر هي متغير مستقل في التفاعل الاجتماعي ، فحاول أن يبرهن عن العلاقة النسبية بين نسق القيم الدينية وظهور الرأسمالية الحديثة ، فلقد ساهمت القيم الدينية البروتستانتية من خلال القيم التي نادت بها كقيم الإنجاز والعقلانية والحرية إلى تحفيز الرأسمالية نحو المزيد من الإخلاص والصرامة والالتزام ، وهذا ما ساهم في نمو الحضارة في المجتمعات الغربية ، فروح الرأسمالية هي نسق من القيم الأخلاقية نحو الحياة التي يجب على الفرد أن يحققها .
تفسير يركز على القيم الفردية والذاتية والتي تدعم المشروع الرأسمالي وتبرز العمل الفردي ن فهو يسعى نحو "إرساء قيم تخدم الرأسمالية الغربية التي تعد نموذجا فريدا أو مثاليا من نماذج المجتمعات التي يسود فيها نمط الفعل العقلاني ".
وهكذا يبين دور القيم في عملية التحول الاجتماعي .
تالكوتبارسونز: ينظر " تالكوتبارسونز " إلى الفعل الاجتماعي على أنه نسق يضم :
- الاتجاه نحو تحقيق هدف أو غاية .
- وجود موقف يتفاعل فيه طرفان يستخدمان وسائل لتحقيق الغايات ، ووجود إطار معياري ينظم عملية اختيار الوسائل والغايات ، ويؤدي ترابط هذه العناصر إلى تشكيل وحدة سلوكية هي أصغر مكونات الواقع الاجتماعي ، وتتغير أنماط المجتمعات بتغير الأطر البنائية التي تحكم أفعال الأفراد والجماعات فيها .
والسلوك هو نتاج التقاء دافعية الأفراد وتربيتهم الداخلية بالأطر المعيارية التي تحكم هذا السلوك والظروف الموضوعية التي تحيط به ، فالأطر المعيارية تنظم العلاقات الاجتماعية وتضبط الطاقة الدافعة في بناء الشخصية ، فالعلاقات الاجتماعية في موقف لا يخضع للمعايير، و تتشكل القيم في علاقات التفاعل من خلال التوقعات المتبادلة بين الأفراد في مختلف المواقف عبر الزمن لتتحول إلى معايير تحكم سلوك الفاعلين وعند استقرارها داخل الفاعلين تشكل الثواب والعقاب ، " إن هذه المستويات الثلاث : التوقعات ، المعايير ، والجزاء، هي التي تجعل العلاقات تتشكل في أدوار ، التي تشكل في تداخلها وتعقدها مؤسسات المجتمع وبنائه الاجتماعي ."
والقيم عند بارسونز هي ظاهرة اجتماعية ثقافية مصدرها البناء الثقافي ، تعمل على ضبط الفعل الاجتماعي والتحكم فيه ، فأنساق الفعل الأربعة : (النسق العضوي ، النسق الشخصي ، المجتمع ، والثقافة ) تختلف بحسب امتلاكها القدرة على الضبط ، ويتوقف ذلك على كمية المعلومات في النسق، وتعتبر الثقافة أو النسق الثقافي قادرا
على ضبط السلوك والتحكم فيه لامتلاكه كميات كبيرة من المعلومات، والنسق القيمي من مكوناتالثقافة، حيث له القدرة على الضبط والتحكم .
فالقيم هي معايير عامة يشترك فيها أفراد المجتمع تؤدي وظيفة تحقيق الاستقرار للبناء الاجتماعي من خلال تحقيق التضامن في المجتمع ، الذي بدوره يؤثر على البناء الاجتماعي .
جورج هربرت ميدGeorges Herbert Mead
يرى ميد أن الواقع كيان حي ينشأ ويتكون من خلال تفاعلات الأفراد مع بعضهم البعض ومن خلال مظاهر التفاهم المشتركة التي تمكنهم من خلق مؤسسات والنظم ، وتتغير النظم عند تغير التعريفات الذاتية المشتركة لهذه النظم .
وعملية خلق تعريفات مشتركة للواقع هي عملية خلق القيم والمعايير المشتركة ، وهي التي تميز جماعة معينة عن باقي الجماعات والتي تستدعي مدة زمنية طويلة ،فالجماعة تمر بخبرات طويلة ومراجعات ومفاوضات طويلة لكي تحقق هذا الفهم المشترك الذي يكسب حياتها استمرارية ، أما الوعي الجمعي فينشأ من تكيف الفرد (الذات) مع بيئته من خلال تفاعلهم معها ومع بعضهم البعض ، فيؤثر كل منهم على الآخرين وبالتالي يعدل كل واحد سلوكه على ضوء سلوك الآخرين ، إذن "فالجماعة تستطيع أن تقيم لنفسها واقعا في داخلها إذا توصلت إلى فهم مشترك وقيم مشتركة شكلت بناءها العقلي"، فالجماعة التي تستطيع أن تشكل لنفسها رموزا يتعارف عليها أعضاءها فقد استطاعت أن تحقق تفاهما مشتركا وبالتالي تؤسس قيم ومعايير مشتركة وعامة.
لكن الواقع الرمزي ـ القيمي ـ غير ثابت، قابل للتغيير باستمرار لأن الواقع الاجتماعي مرن ، فالأفراد يغيرون من تصوراتهم ، وبالتالي يغيرون من واقعهم باستمرار .
إذن فالقيم ليست ثابتة في المجتمع بل متغيرة لأنها من صنع الأفراد ، وبالتالي فهم قادرون على تغييرها من أجل إثراء التفاعل ، وليست أطر خارجية تفرض على الأفراد من البيئة الخارجية .
|